ج17: رسالة علم الرقية الشرعية - هل يجوز تعليم الرقية والتحصين - مَن الذي له حق استخدام الرقية الشرعية - هل يصح الإستعانة بالغير طلبا للرقية (الإسترقاء) - لماذا كان النبي لا يرقي البعض في حين يأمرهم بطلب الرقية .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء السابع عشر -

* فهرس :

..:: الفصل الرابع عشر :: الرقية تكون لنفسك ولغيرك ::

1- س106: هل يجوز تعليم الرقية والتحصين ؟

2- س107: مَن الذي له حق استخدام الرقية الشرعية ؟

3- س108 : هل يصح الإستعانة بالغير طلبا للرقية (الإسترقاء) ؟

4- س109: لماذا كان النبي لا يرقي البعض في حين يأمرهم بطلب الرقية ؟

****************************

..:: الفصل الرابع عشر ::..

 :: الرقية لنفسك ولغيرك ::

 ********************************

..:: س106: هل يجوز تعليم الرقية والتحصين ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* نعم يجوز تعليم الرقية .. وأخذها عمن تثق به بضوابطها وبما ليس فيها مخالفة شرعية .. وقد شرحنا الضوابط الخاصة بالرقية في (السؤال رقم 9) .. ومعنى المخالفة الشرعية أي لا تتعارض مع ضوابط الرقية بصفة خاصة ، ولا تتعارض مع الشريعة بصفة عامة ..!!

- ودليل جواز تعليم الرقية :

1- وَعَنْ السيدة حَفْصَةَ قالت : (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: الشِّفَاءُ، تَرْقِي مِنَ النَّمْلَةِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلِّمِيهَا حَفْصَةَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ .. قال الحاكم : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ووافقه الذهبي .. ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط عن الحديث برقم 26449 : رجاله ثقات رجال الشيخين ..

2- وعن شكل بن حميد العبسي (أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقلتُ يا نبيَّ اللهِ علِّمْني تعوُّذًا أتعوَّذُ به فأخذ بيدي ثم قال قل : أعوذُ بك من شرِّ سمعي وشرِّ بصري ، وشرِّ لساني وشرِّ قلبي ، وشرِّ منِيِّي) صحيح النسائي وصحيح الترمذي ..

 ************************

  

..:: س107: من الذي له حق استخدام الرقية الشرعية ؟ ::..

(الرقية للجميع سواء لنفسك أو لغيرك )

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

أولا : أريدك أن تفهم شيئا .. وهو أن كل إنسان يستطيع أن يرقي نفسه وغيره .. وليس بالضرورة أن يكون مسلم .. بل ممكن يكون يهودي كما ستعلم فيما هو آت .. ولكن بشرط أن لا يرقيك بما هو مخالف لدينك ..!!

ثانيا : كل الرقى مسموح بها .. سواء كانت مأخوذة عن الدين أو عن عزيمة كلامية مجربة ليس فيها مخالفة للشريعة الإسلامية .. ولا تكون مجهولة الألفاظ أوغير مفهومة المنطق .. خوفا من أن تكون مظنة السحر والشرك والكفر بالله ..!!

ثالثا : إذا كانت الرقية هي دعاء .. فلماذا لا تدعو أنت الله بنفسك ولا تجعل أحد يدخل بيتك ويتطلع على عوراتك وخصوصياتك .. وقل يارب أغثني وأهل بيتي .. وكن موقنا في الله أنه معيذك ومغيثك .. !!

- وقد تقول: أن الراقي لا مانع منه ونتوسم فيه خيرية القبول لأنه قريب من الله ..!!

- وأقول لك: لا تثق في أحد إلا من وجدته يقينا إنسان مؤدب ولا يلمس المصاب إلا إن ساعد فقط في إمساك المريض لو حدث له انفعال وصرع .. فقط .. ولا يفعل شيء سوى أن يرقي بكلام الله متوسلا به إلى الله ولا مانع لو استخدم مباح مثل المسح بالماء أو برائحة المسك أو أي رائحة عطرية (لكن تكون أنت الذي اشتريتها وليس الراقي دفعا للوسوسة أو التوهم أن يكون قد قرأ الراقي عليها شيئا روحانيا فتتهمه بسوء الظن) ..!!

 

* والدليل على أن الرقية للجميع سواء لنفسك أو لغيرك :

* أولا : النفع لنفسك بالرقية :

1- في حال الصحة :

أ- عن السيدة عائشة قالت : ( كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ ، نَفَثَ في كَفَّيْهِ بقُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ ، وما بَلَغَتْ يَدَاهُ مِن جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمَّا اشْتَكَى كانَ يَأْمُرُنِي أنْ أفْعَلَ ذلكَ به ) صحيح البخاري .

2- في حال المرض :

أ- عن السيدة عائشة قالت : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ، وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه ، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا . وفي روايةٍ : أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عنْه بيَدِهِ) صحيح مسلم .

ب- عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيِّ (أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ضَعْ يَدَكَ علَى الذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ ، وَقُلْ باسْمِ اللهِ ثَلَاثًا ، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ) صحيح مسلم ..

* وفي رواية أبي داوود زيادة عن رواية مسلم : (قَالَ: "فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ بِي ، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ )

* ومن فقه الحديث السابق :

1- جواز وضع يدك أنت لنفسك على أماكن الألم والوجع أثناء الرقية .. وبالتبعية يجوز وضع يدك لمن يجوز لك أن تلمسه أثناء الرقية كالأم والأخت والزوجة والإبنه والخالة والعمة ..

2- جواز الشكوى من الألم الذي يصيبك طلبا لطريقة علاجه .. وليس في ذلك مخالفة للإيمان ولا اعتراضا على قضاء الله .. وإنما هو بحثا عن دواء الله لابتلاء الله .. فهو فرارا من قدر الله إلى قدر الله .. دون اعتراض على الابتلاء ..

* ثانيا : النفع لغيرك بالرقية ..

أ- في حال الصحة :

- عن عبد الله بن عباس قال ( كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ، ويقولُ: إنَّ أَبَاكُما كانَ يُعَوِّذُ بهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: " أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ " ) صحيح البخاري ..

ب- وفي رواية صحيح بن حبان وأحمد بلفظ : (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعوِّذُ حسَنًا وحسينًا: ( أُعيذُكما بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ ) وكان يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (كان أبوكما يُعوِّذُ بهما إسماعيلَ وإسحاقَ) رواه بن حبان واحمد 

* ومن فقه الحديث :

1- جواز طلب الإعاذة كتحصين من كل مكروه قبل حدوثه ..

2- جواز استخدام كلمات الله في التحصين من الأذى الروحاني (شيطان) ..، والعضوي (أذى الهوام) ..، والنفسي (عين لامة) ..

3- والذي يجعل كلام الله للتحصين .. فلا ريب يكون علاج أيضا .. بما لا حاجة لإثبات ذلك .. ويكفيك ليطمئن قلبك قوله تعالى عن القرآن (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء) فصلت44 .. !!

* معنى (الهامة) : هي ذوات السموم مثل العقرب والحية وكل ما يؤذي من هوام الأرض ذوات السموم ..

* معنى (عين لامة) : أي الإصابة بالنظرة من عين حاسدة .. نتيجة رغبة نفسية من الآخر متمنيا زوال النعمة عن الآخر أو رغبته في طلب مثلها وإن لم يكن متمنيا زوالها .. وحاله في هذه اللحظة منكرا ما هو عليه فغفل عن الرضا بما قسمه الله له .. وكأن الرغبة حركت فيه شهوة حجبته بغفله فلم يذكر الله تبريكا ..!!

* وتم تسميتها ب (اللامة) : لأنها تلم بالإنسان أي تنزل وتصيب بالإنسان كربا وشدة نتيجة الحسد .. وكأن العين قامت بتكتيفه بلا مهرب من تلك النظرة .. !!

والله أعلم .

2- في حال المرض :

أ- عن السيدة عائشة قالت : ( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أهْلِهِ ، يَمْسَحُ بيَدِهِ اليُمْنَى ويقولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذْهِبِ البَاسَ ، اشْفِهِ وأَنْتَ الشَّافِي ، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ) صحيح البخاري .

* من فقه الحديث :

1- جواز رقية أهل بيتك بنفسك دون الحاجة لغيرك ..

2- من الإيمان أن تعتقد أن الله هو الشافي ولا شافي غيره .. وما الرقية إلا سبب أوجده الله لك .. ولا تأثير لها بالنفع إلا من الله ..

ب- عن السيدة عائشة قالت : (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ إذَا أتَى مَرِيضًا أوْ أُتِيَ به ، قَالَ: أذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا) صحيح البخاري .

***************************

..:: س108 : هل يصح الإستعانة بالغير طلبا للرقية (الإسترقاء) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- حتى لا يظن أحد أني أمنع الإسترقاء من الغير حينما قلت لك سابقا ارقي نفسك ولا تجعل أحد يعرف خصوصياتك وأهل بيتك ..

- فإليك الدليل على جواز الإستعانة بالغير من أجل الرقية ..

- ودليل ذلك :

1- النبي كان يرقي مرضى المسلمين .. ما جاء في الحديث عن السيدة عائشة  حيث قالت (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أُتِي بالمريضِ يَدْعو ويقولُ : (أذهِبِ البأسَ ربَّ النَّاسِ اشفِ أنتَ الشَّافي لا شفاءَ إلَّا شفاؤُك شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا) صحيح بن حبان ..

2- النبي يأمر السيدة عائشة أن تسترقى .. حيث قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ) صحيح مسلم .

3- النبي يأذن للبعض في طلب الرقية .. في حديث أسماء بنت عميس قالت: (يا رسول اللهِ إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم .. فقال نعم) صحيح الترمذي .

4- النبي طلب من الغير أن يبحثوا عن رقية للعلاج .. فعن السيدة أم سَلَمَة قالت : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى في بَيْتِها جارِيَةً في وجْهِها سَفْعَةٌ ، فقالَ: اسْتَرْقُوا لَها ، فإنَّ بها النَّظْرَةَ) صحيح البخاري ..

* معنى (السفعة) : حمرة أو صفرة تميل إلى سواد .. والمقصد شحوب في الوجه ..

* معنى (استرقوا لها) : أي اطلبوا لها من يرقيها ..

5- النبي يأذن لجميع المسلمين بأن ينفعوا بعض بالرقية .. عن جابر بن عبد الله قال : (لدَغتْ رجلًا منَّا عقربٌ ونحنُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ أَرْقِيه ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن استطاع منكم أنْ ينفَعَ أخاه فلْيفعَلْ) صحيح مسلم .

*****************************

..:: س109: لماذا كان النبي لا يرقي البعض في حين يأمرهم بطلب الرقية ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) .. 

* قد يخطر ببال البعض سؤال مهم .. وهو لماذا كان النبي كان يطلب من البعض طلب الإسترقاء .. ولم يرقيهم هو ؟!!

- مثال ذلك :

1- عن أم سلمة زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَارَيَةٍ، فِى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ: "بِهَا نَظْرَةٌ، فَاسْتَرْقُوا لهَا") صحيح مسلم .

- معنى (سفعة) : أي إصابة من العين تظهر على جزء من وجه الإنسان تغير من لونه إلى إحمرار أو اصفرار مصحوب بسواد .. في جزء من الوجه وليس الوجه كله ..!!

- والبعض قال أن السفعة هي عين الجن .. وهذا كلام غير صحيح ولم يقل به النبي .. وإنما هو مجرد ضرب من الظن الغير صحيح ..!!

2- عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ: (أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمُ العَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ) صحيح الترمذي .

- (أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ) : زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم .. الذي هو ابنُ عم النبي صلى الله عليه وسلم .

- وقوله (تسرع إليهم العين) : أي يصيبهم الحسد لحسن جمالهم وأخلاقهم ..

- ومعنى (أفأسترقي) : أي هل أطلب لهم الرقية لدفع شر العين .. أو أطلب لهم من يرقيهم .

- والسؤال على ما سبق هو .. لماذا لم يرقيهم النبي بنفسه ؟!

* أولا : عليك أن تعرف أمر مهم :

- أن النبي لم يمتنع عن رقية أحد طلب منه ذلك .. ودليل ذلك :

1- ففي الحديث عن السيدة عائشة قالت : (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ إذَا أتَى مَرِيضًا أوْ أُتِيَ به ، قَالَ: أذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا) صحيح البخاري .

* وعند بن حبان بلفظ (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتى مريضًا أو أُتي بمريضٍ قال: ( أذهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ اشْفِ أنتَ الشَّافي لا شفاءَ إلَّا شفاؤُك شفاءً لا يُغادِرُ سَقمًا ) صحيح بن حبان .

* ورواية أخرى لابن حبان بلفظ (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أُتِي بالمريضِ يَدْعو ويقولُ : ( أذهِبِ البأسَ ربَّ النَّاسِ اشفِ أنتَ الشَّافي لا شفاءَ إلَّا شفاؤُك شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا ) صحيح بن حبان .

2- المرأة التي كانت تصرع ، وأتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: (إنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ: أصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا) صحيح البخاري ومسلم .

3- وكذلك حديث الرجل الأعمى الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنَّ رجلًا ضريرَ البَصرِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ : ادعُ اللَّهَ أن يعافيَني قالَ : إن شئتَ دعوتُ ، وإن شِئتَ صبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ . قالَ : فادعُهْ ، قالَ : فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ : اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ ، إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ) صحيح الترمذي .

4- عن جابر بن عبد الله قال (أَتَتِ الْحُمَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتِ؟ " فَقَالَتْ: أَنَا أُمُّ مِلْدَمٍ؟ قَالَ: "انْهَدِي إِلَى قُبَاءَ فَأْتِيهِمْ" قَالَ: فَأَتَتْهُمْ فَحُمُّوا أَوْ لَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى مَا لَقِينَا مِنَ الْحُمَّى قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ طَهُورًا" قَالُوا: بَلْ تَكُونُ طهورا) صحيح بن حبان .. وذكره الألباني : في صحيح الترغيب .. وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .. وذكره الهيثمي في "المجمع" "2/305-306" وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح .. 

- معنى (أم ملدم) : هي كُنية الحمَّى .. يُقال: ألْدَمَت عليه الحُمَّى، أي: دامَت، وقِيل: من لدمه، أي: لَطَمَه وضرَبَه، واللَّدْمُ: الضَّربُ، فشبَّهوا ما يكونُ مِن الحُمَّى بالضَّربِ الذي يُؤلِمُ .

- معنى (انهدى) : أي انهضي واذهبي إلى ..

- معنى (طهورا) : أي مطهرة لذنوبكم وسببا في غفرانها لكم ..

* مما سبق يتبين لك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع عن رقية أحد .. طلب منه ذلك .. وحاشاه أن يحرم الراجي مكارمه ..!!

ثانيا- أما عن إرشاده للغير في طلب الإسترقاء دون أن يرقيهم هو بنفسه .. فذلك لأسباب :

1- لأن هؤلاء لم يطلبوا منه الرقية .. حتى يقال لماذا لم يرقيهم ..!! وإنما أرشدهم النبي لطريقة العلاج بالرقية ..

2- لأن الرقية دعاء ودعاء النبي مستجاب .. ولعل الله لم يأذن له في رقية هؤلاء في ذلك الوقت لأنه سبحانه لم يأذن في رفع الإبتلاء .. وقد يأذن الله في وقت آخر له برقيتهم ..

- مثال ذلك في حديث أسماء بنت عميس السابق ذكره :

- لعل عدم طلبها من النبي ابتداء في رقية أبنائها .. لأنها علمت أنه لا يوجد إذن للنبي برقيتهم وفهمت ذلك من قول النبي لها (ارقيهم) .. ولذلك عرضت عليه رقية كانت تعلمها لعلاج الحسد .. فإذن لها بهذه الرقية .. كما يظهر ذلك في رواية مسلم حينما قال لها النبي (ما لي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ قالَتْ: لَا، وَلَكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهِم ، قالَ: ارْقِيهِمْ قالَتْ : فَعَرَضْتُ عليه ، فَقالَ: ارْقِيهِمْ) صحيح مسلم .

 - ثم بعد ذلك لعلها لم تجد أثر لرقيتها .. فطلبت من النبي أن يرقي أبنائها لعل الله يكون قد أذن بذلك له .. فأذن لهم النبي بأن يرقيهم .. ولم يمتنع .. وإلى ذلك تشير رواية ذكرها الإمام بن حجر في الإصابة (أن أسماء بنت عميس أتت النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بثلاثة بنين لها واستأذنته أن يرقيهم، فأذن لهم) رواه بن حجر في الإصابة (5/207) .. بسند فيه ضعف لتصحيف السند .

3- وقد يكون من أسباب عدم تعرض النبي لهم بالرقية حتى يجعل لأمته متسع في فعل الرقية بأنفسهم أو طلبها من الغير بلا حرج .. أي يفعلها الجميع نفعا لبعضهم البعض .. طالما ليس فيها مخالفة شرعية لهذه الرقية .. والله أعلم .

4- وقد يكون أحد الأسباب هو أن يعلمك أن لا تعرض الرقية على الغير من نفسك .. وإنما كن مطلوبا ولا تكن طالبا .. لأن طلبك من الغير أن ترقيه فيه شهوة نفس منك تدل على العُجب أوالرياء .. بخلاف ما إذا كنت مطلوبا دون رغبة منك في ذلك .. فهذا دافع لشهوتي الأنا "أي العُجب" والرياء ..!! 

  

5- وقد يكون أحد الأسباب هو ترسيخ العقول على أن النبي لم يبعث طبيبا .. وإنما مبشرا ونذيرا ومعلما للخير .. ولذلك يرشدهم إلى التخصص في طلب الأسباب .. ففي المرض تذهب إلى الطبيب .. وفي الفتوى تذهب لرجل الدين .. وفي البناء تذهب لمهندس البناء .. وفي الزراعة تذهب لمهندس الزراعة .. وهكذا ..

- وليس كما يفعل بعض المتمصوفة من اعتقادهم أن الشيخ يعرف كل حاجة .. !! فهذا ضلال بحت لأنه توكل على الشيخ .. وليس توكل على الله ..!!  والله أعلم .

* لكن انتبه :

* حتى لا يذهب بك الفكر إلى أوهام وتظن أن أحد أسباب ترك النبي لرقية البعض .. حتى يكون من أهل حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومن أوصافهم أنهم (لا يرقون ولا يسترقون) .. فهذا ظن خاطيء تماما .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أحواله رقية المريض سواء ذهب إليه أو جاء المريض إلى النبي .. فضلا عن أن الحديث خاص بأوصاف بعض أمته ولا علاقة له بأوصاف النبي ..!! وكيف يكون للنبي علاقة بهذا الحديث وهو سيد ولد آدم وشفيع الخلائق وصاحب المقام المحمود والمغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه .. ؟!!

- والله أعلم .

*****************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..