ج7: رسالة تأمين الخائف - معنى المس في اللغة - معاني المس في القرآن الكريم - معنى طائف الشيطان - المس الطائف الشيطاني وعلاقته بخدام الجن - هل أنت من أهل البصيرة - الفرق بين أهل البصيرة وأهل الغواية .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء السابع)

رسالة

(تأمين الخائف من المس الطائف)

..:: مفهوم الطائف الغيبي في القرآن ؟ ::..

(حقائق قرآنية حرفها بعض الرقاة)

* فهرس :

..:: الفصل السابع ::..

1- ما هو معنى المس في اللغة ؟

2- ما هي معاني المس في القرآن الكريم ؟

3- ما هو معنى طائف الشيطان ؟

..:: الفصل الثامن ::..

4- ما هو المس الطائف الشيطاني – وعلاقته بخدام الجن ؟

5- من لطائف تفسير الآية ؟

6- هل أنت من أهل البصيرة ؟

7- هل تعقل الآن من هم أهل البصيرة ومن هم أهل الغواية ؟

******************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل رسالة (الطائف الغيبي في القرآن) .. ونتعرف في هذا الجزء .. على مفهوم المس الطائف الشيطاني من خلال كلام الله تعالى .. حتى لا يخدعك أحد بعد الآن وتكون على نور وبصيرة من دينك ..!!

* نبدأ بسم الله .. توكلت على الله ..

*****************************

..:: الفصل السابع ::..

**********************

أولا : المس الطائف الشيطاني

**********************************

..:: ما هو معنى المس في اللغة ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

(المس) يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء .. ولكن لا يحس أحدهما بالآخر إلا إحساسا خفيفا لا يكاد يذكر .. فإذا أتيت إلى إنسان ووضعت أَنَامِلَكَ على يده يقال مسست .. ولكنك لم تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده .. ولكن اللمس يعطيك إحساسا بما تلمس .

تفسير الشعراوي ج1 ص423

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

* المس : اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة . التفسير الوسيط ج1 ص186

* المس : أصله الجس باليد . أطلق على كل ما يصل إلى الشيء على سبيل التشبيه ..

فيقال : فلان مسه النصب أو التعب ، أي أصابه .التفسير الوسيط ج2 ص239

* وستجد هذا المعنى السابق في هذه المراجع : الوجوه والنظائر ج1 ص435 ، التحرير والتنوير ج9 ص232 ، تفسير المراغي ج7 ص164 ، تفسير المنار ج9 ص454 ، التفسير الكبير ج7 ص75 ، تفسير القاسمي ج2 ص219

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَالْمَسُّ مَجَازٌ فِي الْإِصَابَةِ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَسِّ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْجِسْمِ ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الْإِصَابَةِ بِجَامِعِ الِاتِّصَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الْأَنْعَام: 49] ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشِدَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الشِّدَّةِ أَوِ الضَّعْفِ إِلَى الْقَرِينَةِ ، مِثْلَ أَلِيمٌ هُنَا، وَمِثْلَ قَوْلِهِ (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الْأَنْعَام: 49] فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى .

التحرير والتنوير ج6 ص284

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* المس .. ليس لإدراك طبيعة الأشياء بل مجرد لمس بسيط وكأنك تستشعر وجوده ..!!

ويقال كوصف لما يحدث مع الانسان من أفعال أذى أو خير ..

واللمس .. وهو إدراك ومعرفة طبيعة هذا الشيء من سخونة وبرودة ونعومة وخشونة ..

ويكون في الماديات ..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* والمس في عموم القرآن .. لم يأتي بمعناه اللغوي الأصلي وهو المس باليد .. إلا مرة واحد وهي في قوله تعالى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) .. وما عدا ذلك فقد جاء اللفظ مجاز للدلالة على غيره مثل مس الخير ومس الشر ..

* مع ملاحظة أن بعض المفسرين فسر الآية (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) بأن المراد من الْمَسَّ بِالِاطِّلَاعِ ، وَالْمُطَهَّرِينَ بِالْمَلَائِكَةِ .. !!

وعلى هذا التفسير يكون القرآن لم يستخدم لفظ المس بمعناه الحقيقي في القرآن بل بمعناه المجازي ..!!

***********************************

..:: ما هي معاني المس في القرآن الكريم ؟ ::..

* قال الشيخ أبي هلال العسكري المتوفى395هـ :

والمس في القرآن على أربعة أوجه:

الأول: الجماع ، قال الله : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) وقوله : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) وإنَّمَا سمي الجماع مسًّا ؛ لأنه مع المس يكون .

الثاني : الإصابة ، قال الله : (مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي : أصابتهم الشدة والرخاء ؛ فجعل المس هنا موضع الإصابة ؛ ليدل على قصر مدة ما أصابهم من ذلك ، وتعرف به أن مدة المكروه والمحبوب في الدنيا قصيرة ، وقال : (مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) وقال : (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ) .

الثالث : الجنون ، قال الله : (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).

الرابع : المس بالجارحة ، قال الله : (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أراد بالمطهرين الملائكة ، وهو التطهير من الذنوب ، وقيل : لفظه لفظ خبر ، ومعناه النهي ، أي: لا يمسه إلا طاهر .

الوجوه والنظائر ج1 ص435

**********************************

..:: ما هو معنى طائف الشيطان ؟ ::..

* قال الشيخ اسماعيل حقي النازلي رحمه الله :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) أدنى لمة منه وهى الوسوسة والمس .

والطائف : اسم فاعل من طاف يطوف إذا دار حول الشيء .. كأنها تطوف بهم وتدور حولهم لتوقع بهم ..

أو من طاف به الخيال يطيف طيفا أي ألمّ .. فالطائف بمعنى الجائي والنازل .

وفى الصحاح طيف الخيال مجيئه في النوم ، وطيف من الشيطان وطائف منه .. لمم منه ..

والخيال : في الأصل اسم بمعنى التخيل وارتسام السورة في محل القوة المتخيلة ويطلق على نفس تلك الصورة وطيفه نزوله في محل المتخيلة ..

روح البيان ج3 ص300

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

الطَّائِفُ : هُوَ الَّذِي يَمْشِي حَوْلَ الْمَكَانِ يَنْتَظِرُ الْإِذْنَ لَهُ ، فَهُوَ النَّازِلُ بِالْمَكَانِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَكَانَ، أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْخَاطِرِ الَّذِي يَخْطُرُ فِي النَّفْسِ يَبْعَثُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ نَهَى اللَّهُ عَنْ فِعْلِهِ شَبَّهَ ذَلِكَ الْخَاطِرَ فِي مبدأ جولانه فِي النَّفْسِ بِحُلُولِ الطَّائِفِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ.

التحرير والتنوير ج9 ص232

* قال الإمام القرطبي رحمه الله :

قَالَ النَّحَّاسُ : وَمَعْنَى "طَيْفٌ" فِي اللُّغَةِ مَا يُتَخَيَّلُ فِي الْقَلْبِ أَوْ يُرَى فِي النَّوْمِ ، وَكَذَا مَعْنَى طَائِفٍ ..

وَالْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوُا المعاصي إذا لحقهم شيء تَفَكَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ فَتَرَكُوا الْمَعْصِيَةَ ..

وَيُسَمَّى الْجُنُونُ وَالْغَضَبُ وَالْوَسْوَسَةُ طَيْفًا ، لِأَنَّهُ لَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تُشَبَّهُ بِلَمَّةِ الْخَيَالِ .

تفسير القرطبي ج7 ص349 .. مختصرا .

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

 طائف من الطواف والطواف بالشيء أى: الاستدارة به أو حوله .

يقال: طاف بالشيء إذا دار حوله .

والمراد به هنا : وسوسة الشيطان وهمزاته .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج5 ص460

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) الأعراف201

* (إِذَا مَسَّهُمْ) ، أي إذا أصابهم إصابة تمس إحساسهم ومشاعرهم (طَائِفٌ منَ الشَّيْطَانِ) ..

* وفى قراءة (طيف من الشيطان) أي غضب ، أو خيال يمس الوجدان من الشيطان بأن همز الشيطان في نفوسهم فسرعان ما يستيقظ وجدانهم العامر بتقوى الله تعالى فيتذكرون الله ويرجون ثوابه ، ويخافون عقابه سبحانه ، فإذا غشاوة الشيطان تزول عنهم ، ويرجعون إلى ربهم ، وكما قال تعالى: (فَإِذَا هُم مُّبْصرُونَ).

* والتعبير بالموصول يفيد أن الباعث على ذكر الله تعالى ، وحضوره في القلب واستيلائه على الإحساس والشعور بالواجب أنشأته التقوى .

* والطيف والطائف : معناه الغضب ، ومنهم من فسره بإلمامة الشيطان ، ومنهم من فسره بالهم والذنب ، ومنهم من فسره بالذنب .

* وإن الطائف يحتمل كل ذلك ، وربما يشملها جميعا ، وهي من الشيطان .

* وقد يكون طائفٌ من الرحمن كما في قصة أصحاب الجنة التي قال الله تعالى فيها: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ . وَلَا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) القلم17-20 ..

* فالطائف يطوف من الشيطان بالغضب أو الذنب ، أو الهم بالذنب ، أو نحو ذلك .

زهرة التفاسير ج6 ص3045

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* الطائف : هو خيال ذهني .. والمقصود به الفكرة التي تطوف بنفسك .. نتيجة غفلة .. وبقصد تحريضك على المعصية .. وغالبا ما يأتي مع انفعالات الإنسان سلبا وإيجابا .. لأنه يكون الوقت المناسب للغفلة ..

* وما ذكره بعض المفسرين من معنى أن الطائف يعني الغضب أو الذنب .. فهو بيان نتيجة هذا الطائف وليس شرح لمعنى الطائف .. فانتبه ..!!

*****************************

..:: الفصل الثامن ::..

**********************

..:: ما هو المس الطائف الشيطاني – وعلاقته بخدام الشيطان ؟ ::..

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ . وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ في الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ) الأعراف201-202

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* المس الطائف الشيطاني : يقصد به تسليط على الإنسان بالفكرة المحرضة على المعصية .. ويأتي هذا المس أو التسليط كطائف يطوف بالإنسان .. مثل الخاطر الذي يخطر بباله ويتردد في داخله ..

* من معاني الآية عند علمائنا :

1- قال علماء مجمع بحوث الأزهر :

(مَسَّهُمْ) : أَي أَصابهم . (طَائِفٌ) : أَي خاطر .

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) :

أَي إِن الذين اتقوا ربَّهم وخافوا عذابه فامتثلوا أَوامره واجتنبوا نواهيه ، من عادتهم أَنهم إِذا نالهم وأَصابهم خاطر من خواطر الشيطان ، وأَصابتهم منه وسوسة تزين لهم المعصية ، تذكروا مقام ربهم ، واستحضروا هيبته وجلاله ، وتذكروا أَوامره ونواهيه ، ووعده ، ووعيده ، فإذا هم مبصرون بنور ربهم طريق الهدى والرشاد . والمراد بالشيطان شيطان الجن .

* (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ في الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) :

بعد أَن نبه الله ، وحذر من وسوسة شياطين الجن ، جاءَت هذه الآية للتحذير من إِخوانهم شياطين الإنس .

أَي وإخوان شياطين الجن من شياطين الإِنس مثلهم في الإِفساد يساعدونهم في الإِغواء فما يزالون يعضدونهم بتزيين المعاصي لبعض الناس ، (ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) : أَي لا يمسكون عن إِغوائهم ، حتى يُصِرَّ من وقع في حبائلهم على تنفيذ غوايتهم ، وسلوك طريق الضلال .

التفسير الوسيط مجمع البحوث ج 3 ص1573

2- قال أصحاب التفسير الميسر بمجمع الملك فهد :

إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه ، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه ، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة ، آخذون بأمر الله ، عاصون للشيطان .

* (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ)

وإخوان الشياطين، وهم الفجَّار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين من الجن في الضلالة والغَواية، ولا تدَّخر شياطين الجن وُسْعًا في مدِّهم شياطين الإنس في الغيِّ ، ولا تدَّخر شياطين الإنس وُسْعًا في عمل ما توحي به شياطين الجن .

3- قال الشيخ نعمة الله النخجواني رحمه الله :

ثم قال سبحانه تذكيرا لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وعظة (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) من عبادنا قد كانوا (إِذا مَسَّهُمْ) واستولى عليهم طائِفٌ خاطر يطوف ويحول حول قلوبهم مِنَ قبل الشَّيْطانِ المضل المغوي (تَذَكَّرُوا) ما أمروا به ونهوا عنه من عند الله فَإِذا هُمْ بتذكر المأمور أو المنهي (مُبْصِرُونَ) مميزون موقع الخطايا فيحترزون منها ويتعوذون الى الله عما يغريهم الشيطان إليه ..

وَالذين لم يتقوا عن محارم الله ولم يحذروا عن غوائل الشيطان بل هم (إِخْوانُهُمْ) أي اخوان الشياطين إذا مسهم ما مسهم لا يتأتى لهم التذكر ولم يوفقوا عليه بل (يَمُدُّونَهُمْ) الشياطين بالتزيين والتحسين والوسوسة والإغراء إلى أن يوقعوهم فِي الغَيِّ والضلال (ثُمَّ) بعد الإيقاع فيه (لا يُقْصِرُونَ) بل يبالغون في إغوائهم وإغرائهم إلى حيث يردونهم بحال لا يرجى لهم الفلاح أصلا .

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية ج1 ص278

  

4- قال الإمام القاسمي رحمه الله :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ) أي أصابهم (طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) أي وسوسة وخاطر منه (تَذَكَّرُوا) أي الاستعاذة به تعالى والتوكل عليه (فَإِذا هُمْ) أي بسبب ذلك التذكر (مُبْصِرُونَ) أي مواقع الخطأ ، ومكائد الشيطان . فينتهون عنها ولا يتبعونه .

تفسير القاسمي ج5 ص244

5- قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

وَمَعْنَى الْآيَةِ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) وَهْمُ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وُصِفُوا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِذَا مَسَّهُمْ أَيْ أَلَمَّ أَوِ اتَّصَلَ بِهِمْ طَيْفٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْمِلَهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، أَوْ يَنْزَغَ بَيْنَهُمْ لِإِيقَاعِ الْبَغْضَاءِ وَالتَّفْرِقَةِ ..

* (تَذَكَّرُوا) أَنَّ هَذَا مِنْ عَدُوِّهِمُ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ، وَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ فِي الْحِفْظِ مِنْهُ ..

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: (تَذَكَّرُوا) مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ..

وَقَالَ آخَرُونَ : تَذَكَّرُوا عِقَابَ اللهِ لِمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَعَصَى الرَّحْمَنَ ، وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ لِمَنْ عَصَى الشَّيْطَانَ وَأَطَاعَ الرَّحْمَنَ ..

وَقَالَ بَعْضُهُمْ : (تَذَكَّرُوا) وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ –

* (فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) أَيْ: فَإِذَا هُمْ أُولُو بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ يَرْبَأُ بِأَنْفُسِهِمْ أَنْ تُطِيعَ الشَّيْطَانَ ..

فَهُوَ إِنَّمَا تَأْخُذُ وَسْوَسَتُهُ الْغَافِلِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا يُحَاسِبُونَهَا عَلَى خَوَاطِرِهَا ، الْغَافِلِينَ عَنْ رَبِّهِمْ لَا يُرَاقِبُونَهُ فِي أَهْوَائِهَا وَأَعْمَالِهَا ..

* وَلَا شَيْءَ أَقْوَى عَلَى طَرْدِ الشَّيْطَانِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ ..

تفسير المنار ج9 ص455 .. مختصرا .

6- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

أما الذين لم يتقوا الله، ولم يلجئوا إلى حماه ، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله:

(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)

يمدونهم من المد، وهو الزيادة يقال: مده يمده أى: زاده .

* والغي: الضلال ، مصدر غوى يغوى غيا وغواية .

أي: وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغراء بارتكاب المعاصي والموبقات ..

* (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) .. أي: ثم لا يكف هؤلاء الشياطين عن إمداد أوليائهم من الإنس بألوان الشرور والآثام حتى يهلكوهم .

* ويجوز أن يعود الضمير لإخوانهم : أي ثم لا يكف هؤلاء الناس عن الغي والضلال مهما وَعَظَهُم الواعظون وأرشدهم المرشدون .

و(يُقْصِرُونَ) من أقصر عن الشيء إذا كف عنه ونزع مع القدرة عليه .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج5 ص461

***********************************

..:: من لطائف تفسير الآية ::..

(وهل أنت من أهل البصيرة ؟ )

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

فَالنَّفْسُ إِذَا مَسَّهَا طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنَ الْكَسَلِ وَالْغَفْلَةِ وَالْبِطَالَةِ تَذَكَّرُوا حَضْرَةَ جَلَالِ اللَّهِ مِنْ مَشْرِقِ قَوْلِهِ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) فَيَصِيرُونَ مُبْصِرِينَ مُسْتَعِدِّينَ لِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.

التفسير الكبير ج1 ص211

2- قال الإمام القشيري رحمه الله :

إنما يمس المتقين طيف الشيطان في ساعات غفلتهم عن ذكر الله ، ولو أنهم استداموا ذكر الله بقلوبهم لما مسّهم طائف الشيطان ، فإن الشيطان لا يقرب قلبا في حال شهوده الله لأنه ينخنس عند ذلك .

لطائف الإشارات ج1 ص599

3- قال الشيخ بن عجيبة رحمه الله :

الإشارة : البصيرة حارسة للقلب، الذي هو بيت الرب، فإذا نامت طرقها الشيطان، فإن كان نومها خفيفًا أحست به وطردته، وهذه بصيرة المتقين، الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) ، وإذا كان نومها ثقيلاً سرق الشيطان ما فيها، ولم تفطن به ، وهذه بصيرة الغافلين ، الذين هم إخوان الشياطين .

البحر المديد ج2 ص298

4- قال الشيخ اسماعيل حقي رحمه الله :

كلمة إذا تدل على التحقيق والوقوع ولكنهم محفوظ من الاتباع لكونهم مؤيدين من عند الله تعالى.

روح البيان ج5 ص182

5- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

* وفي قوله (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) إشعار بعلو منزلتهم ، وقوة إيمانهم ، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته ، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه .

* وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف : إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم ، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم .

* وقوله (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ ، وخطوات الشيطان ، فينتهون عنها .

* وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول ، ويطب النفوس ، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير ، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة ..

وهي (أي البصيرة) التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه ..

فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.

التفسير الوسيط لطنطاوي ج5 ص460

6- قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

وقال تعالى في التعبير عن تنبههم للمعصية عندما تساورهم أسبابها : (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) عبر أولا بالمفاجأة للناظر لحالهم ، وطائف الشر يطوف بهم ، فهو يفاجأ بقطع السير إلى الرذيلة ، والمفاجأة بأنهم يبصرون ..

* والإبصار هنا هو يقظة الضمير وقوة الوجدان وسيطرة النفس على أهوائها ، وشبهت هذه الحال بالبصر الدائم المستمر ، الحارس على النفس أن تنفعل لداعي الشيطان ، وعبر بقوله : (هُم مُّبْصِرُونَ) بالتعبير بالجملة الاسمية ، للإشارة إلى دوام البصر بالحقائق بإدراكها ، وتغلبها على الأهواء والمنازع .

زهرة التفاسير ج6 ص3046

7- قال الشيخ الالوسي رحمه الله :

إن الذين اتصفوا بتقوى الله تعالى (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) أي لمة منه كما روي عن ابن عباس، وتنوينه للتحقير، والمراد وسوسة ما ، وهو اسم فاعل من طاف بالشيء إذا دار حوله ..

وجعل الوسوسة طائفا للإيذان بأنها وإن مست لا تؤثر فيهم فكأنها طافت حولهم ولم تصل إليهم.

روح المعاني ج5 ص138

8- قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَفِي كَلِمَةِ (إِذَا) مِنْ قَوْلِهِ: (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) مَعَ التَّعْبِيرِ بِفِعْلِ (مَسَّهُمْ) الدَّالِّ عَلَى إِصَابَةٍ غَيْرِ مَكِينَةٍ ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفَزَعَ إِلَى اللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إِلْمَامِ الْخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِالنَّفْسِ .. لِأَنَّ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ إِذَا أُمْهِلَتْ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ تَصِيرَ عَزْمًا ثُمَّ عَمَلًا .

* وَالتَّعْرِيفُ فِي (الشَّيْطانِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ .. أَيْ مِنَ الشَّيَاطِينِ .. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ جُنْدُهُ وَأَتْبَاعُهُ، هُوَ صَادِرٌ عَنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ.

* وَالتَّذَكُّرُ اسْتِحْضَارُ الْمَعْلُومِ السَّابِقِ ، وَالْمُرَادُ: تَذَكَّرُوا أَوَامِرَ اللَّهِ وَوَصَايَاهُ ، كَقَوْلِهِ : (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمرَان: 135] ..

* وَأُكِّدَ مَعْنَى (فَاءِ) التَّعْقِيبِ بِ (إِذَا) الْفُجَائِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَتِهَا دُفْعَةً بِدُونِ تَرَيُّثٍ ، أَيْ تَذَكَّرُوا تَذَكُّرَ ذَوِي عَزْمٍ فَلَمْ تَتَرَيَّثْ نُفُوسُهُمْ أَنْ تَبَيَّنَ لَهَا الْحَقُّ الْوَازِعُ عَنِ الْعَمَلِ بِالْخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّةِ فَابْتَعَدَتْ عَنْهَا ، وَتَمَسَّكَتْ بِالْحَقِّ، وَعَمِلَتْ بِمَا تَذَكَّرَتْ، فَإِذَا هُمْ ثَابِتُونَ عَلَى هُدَاهُمْ وَتَقْوَاهُمْ .

* وَقَدِ اسْتُعِيرَ الْإِبْصَارُ لِلِاهْتِدَاءِ كَمَا يُسْتَعَارُ ضِدُّهُ الْعَمَى لِلضَّلَالِ ، أَيْ: فَإِذَا هُمْ مُهْتَدُونَ نَاجُونَ مِنْ تَضْلِيلِ الشَّيْطَانِ ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ أَرَادَ إِضْلَالَهُمْ فَسَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ ..

* وَوَصَفَهُمْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ دُونَ الْفِعْلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِبْصَارَ ثَابِتٌ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ ، وَلَيْسَ شَيْئًا مُتَجَدِّدًا ، وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الدَّوَام والثبات.

التحرير والتنوير ج9 ص233 .. مختصرا .

**************************************

..:: هل تعقل الآن من هم أهل البصيرة ومن هم أهل الغواية ؟ ::..

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ . وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ في الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ) 

* هل أنت تعقل الآن من هم أهل البصيرة ومن هم أهل الغواية ؟

* هل علمت الآن أن مطلب أهل البصيرة (الله مقصودي ورضاه مطلوبي) ، وأن مطلب أهل الغواية (الجن مرشدي وعوني ودليلي)  ؟!!

* أهل البصيرة : هم الذين يبصرون الله في قلوبهم .. وكلما وجدوا للشيطان خيالا يطوف بهم محاولا أن يوسوس إليهم .. فإنهم يطمسونه بذكر الله ليمحوه ..

* أهل الغواية : هم الذين يبحثون عن الجن ليكاشفوه ويقولون لكم هذه هي فتح البصيرة تضليلا لكم وإلحادا في كلام الله .. فهؤلاء ضلالية .. وهم أهل الغواية الذين يستمدون من الشياطين ..!!

* ففرق بين أهل البصيرة بالله .. وأهل الغواية بالجن والشيطان ..!!

* أفيقوا يا مسلمين من غيبوبة الوهم والكذب الروحاني .. وكونوا مع الله .. لأن الأنفاس قليلة ويوم القيامة قريب .. !!

*****************************

..:: الفصل التاسع ::..

**********************

يتبع إن شاء الله تعالى

********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..