ج10: رسالة تأمين الخائف - الطائف الغيبي الرباني للعقاب - هل هذا الطائف هو من الملائكة - قصة أصحاب الجنة - لماذا أتاهم طائف العقاب (وَهُمْ نائِمُونَ) - كيف علمت أن ما فيك ليس طائف من ربك - الملائكة قد تأتي بالعقاب وليس بالرحمة فقط - لماذا قالوا (سبحان ربنا) ولم يقولوا اغفر لنا - من استباح طائف الشيطان .. عوقب بطائف الدَّيَّان - الإعتراف بالخطيئة سبب لمعراج القلوب وقبول التوبة - خاتمة الرسالة .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء العاشر)

رسالة

(تأمين الخائف من المس الطائف)

..:: مفهوم الطائف الغيبي في القرآن ؟ ::..

(حقائق قرآنية حرفها بعض الرقاة)

* فهرس :

..:: الفصل الثالث عشر ::..

1- الطائف الغيبي الرباني للعقاب - وقصة أصحاب الجنة ؟

2- من معاني ألفاظ الآيات ؟

3- تفسير وشرح للآيات ؟

..:: الفصل الرابع عشر ::..

4- من إشارة الآيات حول معنى (طائف) ؟

5- ما هو طائف العقاب ؟

6- ماذا أفاد التنوين في كلمة (طائفٌ) ؟

7- ماذا أفادت جملة (من ربك) ؟

8- لماذا لم يبين ما هو طبيعة هذا الطائف ؟

9- لماذا قال (على حرثكم) ولم يقل (إلى حرثكم) ؟

..:: الفصل الخامس عشر ::..

تساؤلات على القصة وتدبر في الآيات

10- لماذا أتاهم طائف العقاب (وَهُمْ نائِمُونَ) ؟

11- كيف علمت أن ما فيك ليس طائف من ربك ؟

12- هل هذا الطائف هو من الملائكة ؟

13- ولماذا جعل الله من الطائف مبهما غير معلوم ؟

14- انتبه : الملائكة قد تأتي بالعقاب وليس بالرحمة فقط ؟

15- لماذا قالوا (سبحان ربنا) ولم يقولوا اغفر لنا ؟

16- من استباح طائف الشيطان .. عوقب بطائف الدَّيَّان ؟

17- الإعتراف بالخطيئة سبب لمعراج القلوب وقبول التوبة ؟

18- خاتمة الرسالة ؟

 ******************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل رسالة (الطائف الغيبي في القرآن) .. ونستكمل في هذا الجزء .. الكلام على الطائف الغيبي في القرآن .. وهذه المرة سنتكلم عن طائف العقاب الإلهي لمن عقد العزم على أذية أشخاص وحرمانهم من حقوق لهم مستحقة .. من خلال قصة أصحاب الجنة ..

* وبهذا الجزء يكون ختام هذه الرسالة التي نكون تكلمنا فيها عن الطائف الغيبي في القرآن .. وتكون قد اكتسبت معرفة قليل من يعرفونها بالرغم من وجودها في كتاب الله .. !!

* نبدأ بسم الله .. توكلت على الله ..

*********************************

الجزء الثاني

********************************************

***********************************

..:: الفصل الثالث عشر ::..

**************************

الطائف الغيبي الرباني للعقاب

( وقصة أصحاب الجنة )

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

تكلمنا فيما سبق وذكرت أنه يوجد نوعين من الطائف الغيبي في القرآن .. وقد ذكرنا النوع الأول وهو الطائف الشيطاني .. والآن سنتكلم عن الطائف الرحماني .. من خلال قصة أصحاب الجنة .. إن شاء الله تعالى .

* ما هي قصة أصحاب الجنة ؟

قال تعالى في سورة القلم : ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ . وَلَا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ . فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ . فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ . أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ . وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ . قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ . عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ) القلم 17-32

* قال الدكتور محمد حجازي :

ولأصحاب البستان قصة خلاصتها:

كان هناك رجل صالح يخاف الله، ويعطى حقوق المساكين، ويعلن عن يوم الجنى ليحضر كل مستحق فيأخذ من خير الله ما يستحق، ثم توفى هذا الرجل وخلفه أولاده على البستان وكانوا كثرة، ثم لما قرب جنى الثمار تذاكروا فيما بينهم ماذا يفعلون كما كان أبوهم يفعل ؟

لا . إنه كان رجلا طيبا، وكان فردا واحدا منهم تبعاته قليلة، أما نحن فجماعة ولنا أولاد، وبأي شيء يستحق المسكين في البستان ؟ ونحن الذين قمنا بالحرث والزرع والتسميد. لا. لا. لن نعطى أحدا ..

قالوا هذا إلا واحدا منهم وعظهم فلم يتعظوا، وأمرهم فلم يأتمروا ، وكان واحدا وهم جماعة فنزل على إرادتهم مُكرها .. !!

التفسير الواضح ج3 ص726-727

****************************************

..:: من معاني ألفاظ الآيات ::..

(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ): إِنَّا امتحنا أَهل مكة واختبرناهم بالقحط.

(الْجَنَّةِ): البستان المشتمل على أَنواع الأَشجار والثمار والفواكه.

(لَيَصْرِمُنَّهَا): ليقطعنَّ ثمرها بعد نُضجها.

(مُصْبِحِينَ): داخلين في وقت الصباح مبكرين.

(وَلا يَسْتَثْنُونَ): أَي: ولا يقولون: إِن شاءَ الله ..

وقيل: ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يفعل أَبوهم.

(طَائِفٌ): بلاءٌ وعذاب محيط بها - نار محرقة -.

(كَالصَّرِيمِ): كالليل الأَسود ..

وقيل: كالبستان إِذا صرمت أَي: قطعت ثماره.

(صَارِمِينَ): قاصدين للصرم وقطع الثمار.

(يَتَخَافَتُونَ): يتسارّون ويتشاورون فيما بينهم بطريق المُخافتة.

(حَرْدٍ): منع ، أَو انفراد عن المساكين، أَو غيظ وغضب.

(إِنَّا لَضَالُّونَ): أَي: إِنَّا لضالُّون طريق جنتنا.

(أَوْسَطُهُمْ): أَحسنهم رأيا، أَو أَوسطهم سِنا.

(لَوْلا تُسَبِّحُونَ): هلا تذكرون الله وتتوبون إِليه من خبث نيتكم.

(يَتَلاوَمُونَ): يلوم بعضهم بعضا.

(إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ): إِنا إِلى ربنا لا إِلى غيره راجون العفو طالبون الخير.

التفسير :

(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ) إِنا اختبرنا أَهل مكة وأَصبْناهم ببليّة وهي القحط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (اللهم اشدد وطأَتك على مُضَر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف).

التفسير الوسيط لمجمع البحوث ج10 ص1532 .. مختصرا .

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

الحديث السابق في تفسير مجمع البحوث .. هو ما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود ( أنَّ قريشًا لما استعصتْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، دعا عليهم بسنينَ كسِني يوسفَ . فأصابهم قحطٌ وجهدٌ . حتى جعل الرجلُ ينظر إلى السماءِ فيرى بينه وبينها كهيئةِ الدُّخانِ من الجَهدِ . وحتى أكلوا العظامَ . فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجلٌ فقال : يا رسولَ اللهِ ! استغفِرِ اللهَ لمضرَ فإنهم قد هلكوا . فقال " لمضرَ ؟ إنك لَجرئٌ " قال فدعا اللهَ لهم . فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ : (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) [ 44 / الدخان / 15 ] قال فمُطِروا . )

ومعنى "استعصت" : أي رفضت دعوة الإيمان بالجحود والنكران ..

والرجل : هو أبو سفيان ..

ومعنى "إنك لجريء" : أي إنك لجريء يا أبا سفيان أن تطلب المغفرة .. فهذا المطلب لا يحق لكافر ..!! ولذلك أنكر عليه الرسول قوله ..!!

ثم دعا الرسول لهم بالسقيا فأمطرت السماء .

و"مُضر" : هي قبيلة كبيرة منها قريش .

والله أعلم .

****************************

..:: تفسير وشرح للآيات ::..

(من التفسير الوسيط للشيخ طنطاوي)

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

والمراد بالابتلاء هنا : الابتلاء بالشر بعد جحودهم لنعمة الخير.

أي: إنا امتحنا مشركي قريش بالقحط والجوع . حتى أكلوا الجيف ، بسبب كفرهم بنعمنا ، وتكذيبهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما ابتلينا من قبلهم أصحاب الجنة ، بأن دمرناها تدميرا ، بسبب بخلهم وامتناعهم عن أداء حقوق الله منها ..

ويبدو أن قصة أصحاب الجنة ، كانت معروفة لأهل مكة ، ولذا ضرب الله- تعالى- المثل بها . حتى يعتبروا ويتعظوا ..

* ووجه المشابهة بين حال أهل مكة ، وحال أصحاب الجنة .. يتمثل في أن كلا الطرفين قد منحه الله- تعالى- نعمة عظيمة ، ولكنه قابلها بالجحود وعدم الشكر . (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص41)

*  إنا امتحنا أهل مكة بالبأساء والضراء ، كما امتحنا أصحاب البستان الذين كانوا قبلهم، لأنهم أقسموا بالأيمان المغلظة ، ليقطعن ثمار هذا البستان في وقت الصباح المبكر .

* (وَلا يَسْتَثْنُونَ) أي: دون أن يجعلوا شيئا- ولو قليلا- من ثمار هذا البستان للمحتاجين ، الذين أوجب الله- تعالى- لهم حقوقا في تلك الثمار .

وقيل معنى (وَلا يَسْتَثْنُونَ) ولم يقولوا إن شاء الله ، كما قال- تعالى-: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) ..

والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى-: (لَيَصْرِمُنَّها) ، وهي في الوقت نفسه مقسم عليه.

أي: أقسموا ليصر منها في وقت الصباح المبكر ، وأقسموا كذلك على أن لا يعطوا شيئا منها للفقراء أو المساكين . (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص48)

* أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطوا شيئا من جنتهم للمحتاجين ، فكانت نتيجة نيتهم السيئة ، وعزمهم على الشر.. أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها ، فصارت كالشيء المحترق الذي قطعت ثماره ، ولم يبق منه شيء ينفع .

(التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص48)

* ثم يصور- سبحانه- أحاسيسهم وحركاتهم ، وقد خرجوا لينفذوا ما عزموا عليه من سوء ..

فيقول: (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) أي: فنادى بعضهم بعضا في وقت الصباح المبكر، حتى لا يراهم أحد.

* فقالوا في تناديهم: (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) أي: قال بعضهم لبعض: هيا بنا لنذهب إلى بستاننا لكي نقطع ما فيه من ثمار في هذا الوقت المبكر، حتى لا يرانا أحد ، إذ الغدو هو الخروج إلى المكان في غدوة النهار . أي: في أوله ..

(التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص49)

* (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) أي: فانطلقوا مسرعين نحو جنتهم وهم يتسارّون فيما بينهم، إذ التخافت: تفاعل من خفت فلان في كلامه ، إذا نطق به بصوت منخفض لا يكاد يسمع .

* وجملة: (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) مفسرة لما قبلها لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه أي: انطلقوا يتخافتون وهم يقولون فيما بينهم: احذروا أن يدخل جنتكم اليوم وأنتم تقطعون ثمارها أحد من المساكين . (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص49)

* (وغدوا على حرد قادرين) أن أصحاب الجنة ساروا إليها غدوة ، على أمر قد قصدوه وبيتوه.. موقنين أنهم قادرون على تنفيذه ، لأنهم قد اتخذوا له جميع وسائله، من الكتمان والتبكير والبعد عن أعين المساكين.

أو: ساروا إليها في الصباح المبكر، وهم ليس معهم أحد من المساكين أو من غيرهم، وهم في الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم قادرين على قطع ثمارها، دون أن يشاركهم أحد في تلك الثمار.

* ثم صور- سبحانه- حالهم تصويرا بديعا عند ما شاهدوا جنتهم ، وقد صارت كالصريم، فقال: (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ).

أي: فحين شاهدوا جنتهم- وهي على تلك الحال العجيبة- قال بعضهم لبعض: إنا لضالون عن طريق جنتنا، تائهون عن الوصول إليها.. لأن هذه الجنة الخاوية على عروشها ليست هي جنتنا التي عهدناها بالأمس القريب، زاخرة بالثمار.

* ثم اعترفوا بالحقيقة المرة، بعد أن تأكدوا أن ما أمامهم هي حديقتهم فقالوا: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي: لسنا بضالين عن الطريق إليها، بل الحقيقة أن الله- تعالى- قد حرمنا من ثمارها.. بسبب إصرارنا على حرماننا المساكين من حقوقهم منها.

* وهنا تقدم إليهم أوسطهم رأيا ، وأعدلهم وأمثلهم تفكيرا.. فقال لهم: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ).

والاستفهام للتقرير .. ولَوْلا حرف تحضيض بمعنى هلا ..

* والتسبيح هنا بمعنى : الاستغفار والتوبة ، وإعطاء كل ذي حق حقه .

أي: قال لهم- أعقلهم وأصلحهم- بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة. قال لهم: لقد قلت لكم عند ما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها.. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك ، وسيروا على الطريقة التي كان يسير عليها أبوكم ، وأعطوا المساكين حقوقهم منها ، ولكنكم خالفتموني ولم تطيعوا أمرى ، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحي ، ما ترون من خراب الجنة ، التي أصابني من خرابها ما أصابكم . (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص49-50)

* (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) .. قالوا وهم يعترفون بظلمهم وجرمهم.. سُبْحانَ رَبِّنا أى: ننزه ربنا ونستغفره عما حدث منا، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله- تعالى- عن عباده.

ثم حكى- سبحانه- ما دار بينهم بعد أن أيقنوا أن حديقتهم قد دمرت فقال: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ). أي: يلوم بعضهم بعضا ، وكل واحد منهم يلقى التبعة على غيره ، ويقول له: أنت الذي كنت السبب فيما أصابنا من حرمان ..

* قالُوا (يا وَيْلَنا) أي: يا هلاكنا و يا حسرتنا.. (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أي: إنا كنا متجاوزين لحدودنا ، وفاسقين عن أمر ربنا ، عند ما صممنا على البخل بما أعطانا- سبحانه- من فضله .

(عَسى رَبُّنا بفضله وإحسانه أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) أي: أن يعطينا ما هو خير منها (إِنَّا إِلى رَبِّنا) لا إلى غيره (راغِبُونَ)  أي: راغبون في عطائه ، راجعون إليه بالتوبة والندم .. (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص51)

* ثم ختم- سبحانه- قصتهم بقوله: (كَذلِكَ الْعَذابُ) أي: مثل الذي بلونا به أصحاب الجنة ، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا .. يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم . (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص51)

* وقوله: (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا.

أي: مثل ذلك العذاب الذي أنزلناه بأصحاب الجنة في الدنيا ، يكون عذابنا لمشركي قريش ، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم .. ولو كانوا من أهل العلم والفهم، لعلموا ذلك ، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإيمان والعمل الصالح .

* هذا .. والمتأمل في هذه القصة ، يراها زاخرة بالمفاجآت ، وبتصوير النفس الإنسانية في حال غناها وفي حال فقرها ، في حال حصولها على النعمة وفي حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها .

كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله ، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم ..

* ورحم الله القائل : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها .. (التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص52)

**********************************

..:: الفصل الرابع عشر ::..

******************************

..:: من إشارة الآيات حول معنى (طائف) ؟ ::..

* وهنا عدة أسئلة ستجد اجابتها في كلام المفسرين :

1- ما هو طائف العقاب ؟

2- ماذا أفاد التنوين في كلمة (طائفٌ) ؟

3- ماذا أفادت جملة (من ربك) ؟

4- لماذا لم يبين ما هو طبيعة هذا الطائف ؟

5- لماذا قال (على حرثكم) ولم يقل (إلى حرثكم) ؟

1- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

يقول تعالى : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ).

والطائف: مأخوذ من الطواف ، وهو المشي حول الشيء من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة . وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف في الشر كما هنا ، ومنه قوله- تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) .

* وعدَّى لفظ «طائف» بحرف «على» لتضمينه معنى: تسلط أو نزل .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص48

2- قال الشيخ جلال الدين القاسمي رحمه الله :

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي فطرق جنة هؤلاء القوم ، طارق من أمر الله لتدميرها .

تفسير القاسمي ج9 ص300

3- قال الشيخ المراغي رحمه الله :

 (فطاف عليها طائف من ربك) : أي طرقها طارق من عذاب ربك ، إذ أرسل عليها صاعقة من السماء أحرقتها .. (كالصريم) : أي كالليل البهيم في السواد بعد أن احترقت .

تفسير المراغي ج29 ص34

4- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

(طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أَيْ عَذَابٌ مِنْ رَبِّكَ ، وَالطَّائِفُ لَا يَكُونُ إِلَّا لَيْلًا أَيْ طَرَقَهَا طَارِقٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ..

قَالَ الْكَلْبِيُّ : أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا مِنَ السَّمَاءِ فَاحْتَرَقَتْ وَهُمْ نَائِمُونَ (فَأَصْبَحَتِ) الْجَنَّةُ كَالصَّرِيمِ .

التفسير الكبير ج30 ص608

5- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

ولم يعين- سبحانه- نوع هذا الطائف ، أو كيفية نزوله ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثار توجب الاعتبار .

* وتنكير لفظ (طائِفٌ) للتهويل .

* و(مِنْ) في قوله (مِنْ رَبِّكَ) للابتداء ..

والتقييد بكونه من الرب- عز وجل- لإفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه.

* قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا قبل فعلهم. ومثله قوله- تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) . وفي الحديث الصحيح: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .. «تفسير القرطبي ج 18 ص 241.» .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج15 ص48-49

6- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَتَنْوِينُ (طائِفٌ) لِلتَّعْظِيمِ ، أَيْ أَمْرٍ عَظِيمٍ وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) فَهُوَ طَائِفُ سُوءٍ ، قِيلَ: أَصَابَهَا عُنُقٌ مِنْ نَارٍ فَاحْتَرَقَتْ .

و(مِنْ رَبِّكَ) أَيْ جَائِيًا مِنْ قِبَلِ رَبِّكَ ، فَ (مِنْ) لِلْابْتِدَاءِ يَعْنِي: أَنَّهُ عَذَابٌ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ عِقَابًا لَهُمْ عَلَى عَدَمِ شُكْرِ النِّعْمَةِ.

وَعُجِّلَ الْعِقَابُ لَهُمْ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِمَنْعِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ عَزْمَهُمْ عَلَى الْمَنْعِ وَتَقَاسُمَهُمْ عَلَيْهِ حَقَّقَ أَنَّهُمْ مَانِعُونَ صَدَقَاتِهِمْ فَكَانُوا مَانِعِينَ .

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ مَوْعِظَةٌ لِلَّذِينِ لَا يُوَاسُونَ بِأَمْوَالِهِمْ .

التحرير والتنوير ج29 ص82-83

7- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ)(22)

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ - لَمْ يَقُلِ اغْدُوا إِلَى حَرْثِكُمْ، وَمَا مَعْنَى عَلَى؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ الْغُدُوُّ إِلَيْهِ لِيَصْرِمُوهُ وَيَقْطَعُوهُ كَانَ غُدُوًّا عَلَيْهِ كَمَا تقول : غدا عليهم العدو .

التفسير الكبير ج30 ص608

**********************************

..:: الفصل الخامس عشر ::..

******************************

تساؤلات على القصة وتدبر في الآيات

**************

..:: لماذا أتاهم طائف العقاب (وَهُمْ نائِمُونَ) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

تساءلت وقلت : لماذا أثبت القرآن أن الطائف جاءهم وحالهم كانوا (نائمون) ولم يأتيهم وهم يقظون .. فبالتأكيد لذلك حكمة ؟

فوجدت أن ذلك لسببين كما أحسب وأظن :

1- حتى لا يستغفرون فيستجيب لهم الله فيصيبهم بجزء ويترك لهم جزء مثلا في حال إعلان الاستغفار والتوبة .. ولكنه سبحانه تركهم على غفلتهم حتى يمنع عنهم حتى ولو لحظة ممكن يتوسلوا فيها إلى ربهم فتكون سببا لرحمة الله بهم فيما رزقهم ..!!

فقطع عنهم أسباب الإيمان بدوام الغفلة ..

2- وكأن النوم إشارة إلى ما اطمأنت له نفوسهم وعقدت عليه عزمها .. فبعد أن اطمأنوا لمكرهم وناموا .. أتاهم طاف العذاب من ربك ليفسد عليهم ما اطمأنوا له .. وكأن الله يقول لنا : كان لهم تدبير وكان لنا تدبير ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) الأنفال30 ( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) فاطر10 ..

* ولاحظت إشارة لطيفة في كلمة (نائمون) .. :

1- إشارة قلبية (لمن قلبه مشغول بالله) : وهي أن أهل اليقظة بالله لا يمسهم طائف عقاب من الله ..

2- إشارة عملية (لمن عمله مشغول بالله) : وهي أن القائمين بالليل في محراب مولاهم يناجونه ويتوسلون إليه .. إنما هم في أمان الله .. من طائف السوء ..!!

بل وكل من يعمل بإخلاص ابتغاء مرضاة الله .. فهو يقظ بالله وفي حفظ الله من طائف الشيطان ..

والله أعلم .

****************************

..:: كيف علمت أن ما فيك ليس عقاب من الله ؟ ::..

(طائف من ربك) ..!!

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

يخبرنا ربنا أن فعل طائف العقاب إنما هو من فعل الله .. بدليل قوله (طائف من ربك) .. وكان هذا الطائف عقاب لهم على خضوعهم لطائف الشيطان في نفوسهم .. وهنا نسأل الذين يبحثون عن الرقية والعلاجات :

* ما أدراك أن ما أنت فيه من وقف حال وعكوسات ليس عن أخطاءك في حق مولاك فعاقبك عليها .. وهذا سبب كافي ليجعلك تستغفر وتتوب وترجع إلى الله ..!!

لماذا دائما تنسب الفعل الروحاني معك إلى الشيطان ؟!!

* ألا ترى أنك تزكي نفسك على الله .. وكأنك معترض على فعل مولاك معك لأنك من جماعة ( أنا أصلي وأصوم واقرأ قرآن .. وليه بيحصل فيه كده يا رب )

أم أنك ترى نفسك من جماعة ( أنا غلبان وشهيد الزمان ولا استحق ما نزل بي لأني طيب ) .. وكأنك تتهم الله في فعله معك ..!!

* وسواء كنت من هؤلاء أم هؤلاء .. فمتى ستفيق من غيبوبة الوهم الروحاني وتسأل نفسك سؤال إيماني وهو : لماذا لا تكون أخطأت في حق الله ولذلك هو يعاقبك ؟!!

* ولكن أكثر النفوس التي طالما قابلتها في حياتي لا ترضى إلا بمدح شيطان نفسها .. حتى تظهر بمظهر المسكين الطيب الذي لا يستحق ..!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله ..!!

* ونتساءل فنقول :

فمن الذي أوقف حال هؤلاء ؟

أليس الله ؟

ولماذا أوقف حالهم ؟

أليس بسبب عزمهم على العصيان ؟

فلماذا ينسب البعض للشيطان أنه من يوقف حالهم ويعظمون من فعل الشيطان .. ويجعلون ما هو لله (قدرة ذاتية بالضر والنفع) .. وينسبون ذلك للجن فيلجأون إليه مستعيذين ومعتصمين به وبأولياءه من الإنس "خدام الجن" ..؟!!

* إنها حقا نفوس عجيبة .. يعظمون من فعل الشيطان وينسبون له ما هو لله .. ثم يقولون يا رب .. ويتعجبون لماذا لا يستجاب لهم ..!!

***********************

..:: هل هذا الطائف هو من الملائكة ؟ ::..

:: ولماذا جعل الله من الطائف مبهما غير معلوم ؟ ::

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

القرآن لم يوضح حقيقة هذا الطائف ونوعه .. وإنما اكتفى بأنه أشار إلى أنه كان أمر عظيم وهائل .. حتى أنه لا يجعلك تظن ولو للحظة أنه من فعل إنسان .. من هول ما حدث ..!!

* ولعل سبب إبهام الأمر هو تعظيم فعل الله حتى تعلم يقينا وتتحقق بقوله تعالى ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) المدثر31 ..

فلا تظن أن جنوده ملائكة فقط .. لا ..

فقد جاء في الحديث ( لا تقتلوا الجرادَ ، فإنَّه جندٌ مِن جنودِ اللهِ الأعظمِ ) أخرجه الطبراني بسند حسن ..

فجنود الله لا يحيط بها علما إلا الله سبحانه وتعالى .. وتدبير الله لا يحيط أحد به علما ..!!

******************************

..:: انتبه : الملائكة قد تأتي بالعقاب وليس بالرحمة فقط ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* بخصوص الكلام عن الملائكة .. فقد يظن البعض أن الملائكة تأتي بالرحمة والمحبة فقط للناس .. وهذا معتقد خطأ ..!!

* لأن الملائكة قد تأتي بالعقاب من الله ..

ومثال ذلك ما فعله سيدنا جبريل بقرية سدوم التي كان بها سيدنا لوط .. فجعل عاليها سافلها بأمر من ربه ..!!

* وقد تأتي الملائكة بالفتنة والإختبار :

كما جاء في قصة الأعمى والأبرص والأقرع .. فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنّ ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا ..

* فأتى الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس ، فمسحه ، فذهب قذره ، وأعطى لونا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل أو قال : البقر شك الراوي – فأعطى ناقة عشراء فقال : بارك الله لك فيها ..

* فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس ، فمسحه فذهب عنه ، وأعطى شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملا ، قال: بارك الله لك فيها .

* فأتى الأعمى فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله إلى بصري فأبصر الناس ، فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب اليك ؟ قال : الغنم ، فأعطى شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ..

* فكان لهذا واد من الإبل ، ولهذا واد من البقر ، ولهذا واد الغنم ..

* ثم إنه "أي المَلك جاء لهم في صورة أخرى في وقت آخر" ..

* أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسالك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري ، فقال : الحقوق كثيرة ..

فقال "أي الملك " : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس ؟ فقيرا فأعطاك الله ؟ فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ، فقال "أي الملك" إن كنت كاذبا فصّيرك الله إلى ما كنت .

* وأتى الأقرع في صورته وهيئته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد هذا ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت .

* وأتى الأعمى في صورته وهيئته ، فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة ، أتبلغ بها في سفري فقال "الأعمي" : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عزّ وجّل ..

فقال "أي المَلك" : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك. ) متفق عليه (البخاري ومسلم).

*******************************

..:: لماذا قالوا (سبحان ربنا) ولم يقولوا اغفر لنا ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

تحيرت في اختيار أصحاب الجنة في اختيار تسبيح الله على وجه التحديد .. بالرغم من أن بعض المفسرين أشار أن المقصود به الاستغفار والتوب .. ولكن لماذا لم يقولوا غفرانك ربنا وقالوا سبحان ربنا ؟!!

* فوجدت أن التسبيح هو تنزيه الله عما لا يليق به .. أي تقديس الله عن كل نقص ..

ومعنى قولنا (سبحان الله) .. كأنك تقول أشهد لك يا ألله أنك إله غير ناقص أبدا .. في ذاتك أو في فعلك ..

ففي ذاته حيث أن له الكمال .. وفي فعله أنه ليس بظالم لأحد .. !!

ودائما له في فعله حكمة ..!!

* وحينما نرى خلق جميل أو بديع نقول (سبحان الله) .. حتى نثبت أن كل شيء جميل وبديع لن يرتقي ليكون كاملا وستتقلب عليه ظروف الزمان ويتغير .. ولذلك نثبت لله صفة التسبيح عن النقص .. حيث أنه لا يتبدل ولا يتغير ..!!

وكأننا نقول : إذا كان في هذا الشيء جمال وإبداع إلا أنه سيتغير بالنقصان .. فتبارك الله الجميل البديع خالق .. الذي لا يتغير ولا يتبدل لأنه لا يعتريه نقص بأي حال من الأحوال ..

* وحينما نرى فعل عجيب في الناس مثل القصاص منهم لظلمهم ونرى فيه تدبير الله بقوة .. فنقول (سبحان الله) أو (سبحانك يا رب) .. تنزيها لله أن يكون ظالم لأحد في فعله معه ..!!

والله أعلم .

* نعود فنقول :

أن سبب اختيار أصحاب الجنة لهذا الذكر على وجه الخصوص .. وذلك حتى ينفوا عن الله صفة الظلم .. أن يكون فعل بهم خلاف ما يستحقون .. بل تنزه عن الظلم لأنهم هم الظالمون .. فاعترفوا بالظلم لأنفسهم .. واعترفوا لله بكمال العدل حينما قالوا سبحان ربنا ..

* وحينما قال أوسطهم رأيا لأخوته محاولا تصحيح ما عقدوا عليه عزمهم من حرمان الفقراء .. فقال لهم (لولا تسبحون) .. وكأنه يقول لهم أن من عدل الله أن نخرج زكاة لهؤلاء الفقراء كما كان يفعل أبونا ..

فليس الأمر كما تظنون أن المحصول سيكفينا وحدنا ولذلك ليس للآخرين حق فيه ..!!

فإن الله طالما قال بالزكاة أو الصدقة في عطاءه فهو عدل ويعلم كيف يسوق الأرزاق بمقتضى العدل وهو لن يظلمنا في قسمته .. فسبحوه عن أن يكون ظالم في قسمته أو ظالم لنا .. وأخرجوا حقه ..

* ولذلك اختار أخوهم أن يذكرهم بالتسبيح لتحريك النزعة الإيمانية في داخلهم وتذكيرهم بأن الله عدل في فعله .. فلا تجعلوا لكم فعل مخالف لمراد الله منا وهو منع زكاة الفقراء والصدقة لهم .. فتكونوا ظالمين ..!!

هذا والله أعلم .

* وهذه القصة تشير إلى أن بعض الأخوة استجابوا لطائف الشيطان في نفوسهم وخضعوا له فيما وسوس به إليهم من الفقر لو أخرجوا الصدقة .. وأنهم أشد احتياج لها فلا يصح إعطاء الفقراء شيء .. وبهذا الفكر استباحوا حق الفقراء ..!!

* وكأن الله سبحانه يرشدنا إلى أن أحد مسالك الشيطان التي يستغلها في النفوس هو الفقر .. كما في قوله تعالى : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة268

* ولذلك أرشدنا النبي في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود .. أن النبي قال ( إنَّ للشَّيطانِ لمَّةً بابنِ آدمَ وللملَكِ لمَّةً : فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ ، فإيعادٌ بالشَّرِّ ، وتَكْذيبٌ بالحقِّ ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ ، فإيعادٌ بالخيرِ ، وتصديقٌ بالحقِّ ، فمن وجدَ ذلِكَ فليعلَم أنَّهُ منَ اللَّهِ فليحمَدِ اللَّهَ ، ومن وجدَ الأخرى ، فليتعوَّذ باللَّهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ، ثمَّ قرأَ : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) .. الآيةَ ) .. صحيح الترمذي وبن حبان ..

والله أعلم .

***************************

..:: من استباح طائف الشيطان .. عوقب بطائف الدَّيَّان ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

من استباح طائف الشيطان .. عوقب بطائف الدَّيَّان .. وحُرم من لطف الرحمن .. !!

فلما استمع أصحاب الجنة لطائف الشيطان في نفوسهم وعقدوا العزم على اتباع وسوسته في النفوس وهي كما قال تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) .. تعرضوا لطائف عقاب من الديَّان (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) .. !!

* فلا تخضع للطائف الشيطاني .. حتى لا تعاقب بالطائف الرباني .

* فسبحان الملك الديَّان الذي لا يظلم الله الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون .

فالبِرُّ لا يَبْلَى ، والإثمُ لا يُنْسَى ، والدَّيَّانُ لا ينامُ ، فكن كما شِئْتَ ، كما تَدِينُ تُدَانُ .. وسبحان الحي الذي لا يموت ..!!

*******************************

..:: الإعتراف بالخطيئة سبب لمعراج القلوب وقبول التوبة ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

من الأمور التي تلفت النظر في القصة .. هو رجوع أصحاب الجنة إلى كشف حقيقة ما فعلته أنفسهم .. وأنهم مستحقون لما حدث لهم .. وأن الله كان عدل في عقابه .. !!

وللك قال بعض السلف .. أن الله غفر لهم وأبدل جنتهم بأخرى ..

* ولكن ما أريد الإشارة إليه .. هو اعترافهم بذنبهم وعدم استكبارهم واستمرارهم على الجحود .. بل ورجائهم من رحمة الله بالرغم مما نزل بهم من فاجعة .. يدل على أن هذه الحادثة أوجدت في قلبهم يقظة لصلاح حالهم .. ولذلك كما أثبت لهم الله مكرهم في البداية .. فقد أثبت لهم اعترافهم بالعصيان وأثبت لهم الرجاء في الرحمة .. مما يرشدك إلى قبوله لتوبتهم وتحقيق رجائهم (كما قال بعض السلف مثل عكرمة وقتادة) ..

فقد قال ربنا : ( قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ . عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ) القلم29-31

* ودائما الإعتراف بالذنوب في محراب العبودية هو طوق نجاة من العقاب وسبب لتغيير الأحوال .. واقرا معي اعتراف سيدنا آدم وحواء حيث قالا : ( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف23 .. فكان ذلك سبب لقبول التوبة حيث قال تعالى ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة37 ..

* فافهم أن الإعتراف بالتقصير في محراب العبودية هو بداية معراج القلوب لمولاها .. ولكن إن أردت أن تبقى مع محاسن نفسك وتزكيها وأنك على خير .. فثق أنك على خطر مبين .. لأنك في الحقيقة أصبحت تعبد نفسك ولا تعبد الله مولاك ..!!

* وبهذا يكون ختام رسالة تأمين الخائف من المس الطائف .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. !!

*********************************

..:: خاتمة الرسالة ::..

* بعد هذا السفر مع الطائف الغيبي في القرآن .. وهو طائف الشيطان وطائف الديَّان .. أرجو أن تكون قد تعلمت شيئا لم تكن على علم به .. أو تحررت  بنور القرآن من ظلمة الوهم الروحاني التي يروجها تزويرا في الحقائق القرآنية .. بعض مشايخ ضلالية على شبكة النت مثل الفيس بوك وغيره ..!!

* وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .. آمين .!!

وأن يغفر ويرحم ويكرم ويرضى عن والداي وأخواي وأهل بيتي وأحبابي وأصحابي ومتابعي بالحسنى .. وكل من أحسنوا الظن بي .. ولكل من له فضل علي ولأصحاب الحقوق علي .. آمين .!!

* اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله مثل ذلك .. وارضى عنا بذلك ..

اللهم أبلغه مني السلام .. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ..

* سبحانك اللهم وبحمدك .. أستغفرك وأتوب إليك .

******************************

:: لظروف خاصة ::

***********************

قد أغيب عنكم أيام .. لظروف مرضية قاسية جدا لحماتي (والدة زوجتي) .. حيث نرجو لها الرحمة من الله .. وهي بين يدي الله الآن في هذه اللحظات التي أكتب لكم فيها هذه الكلمات .. ونسألكم الدعاء لها بالرحمة بظهر الغيب .

**********************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..