ج5: رسالة حقيقة الأولياء وأخبار القطب والأوتاد والنقباء والنجباء والأبدال - من أين أتت مسميات مقامات الأولياء وترتيبهم - ما هو مفهوم القطب وماذا يفعل - مفهوم رتبة ودرجة القطب بناء على ما المعنى اللغوي - مفهوم القطب عن أهل التصوف الكشفي - ما الدليل على وجود القطب الغوث في مرويات الحديث.

     بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

حقيقة الأولياء

وأخبار القطب والأوتاد والنقباء والأبدال والنجباء 

 (الجزء الخامس)

#- فهرس:

:: الفصل الخامس :: الأولياء ومقام القطب الغوث ::

1- س19: من أين أتت مسميات مقامات الأولياء وترتيبهم ؟

2- س20: ما هو مفهوم القطب وماذا يفعل ؟

#- أولا: مفهوم كلمة القطب لغويا ..

#- ثانيا: مفهوم رتبة ودرجة القطب بناء على ما المعنى اللغوي ..

#- ثالثا: مفهوم القطب عن أهل التصوف الكشفي .

3- س21: ما الدليل على وجود القطب الغوث في مرويات الحديث ؟

************************

 

..:: س19: من أين أتت مسميات مقامات الأولياء وترتيبهم ؟ ::..

 

- أخي الحبيب:

- لعلك نجد في بعض الكتب التي غالبا تنسب إلى بعض أهل التصوف .. ويذكرون فيها كلاما عن الأقطاب والأبدال والنجباء وغير ذلك .. فتسأل نفسك ومن أين أتوا بمسميات هذه الدرجات للأولياء وكيف عرفوها ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: عن مسميات وترتيب الشريعة لدرجات الأولياء في القرآن:

- نجد أن الله جل شأنه قد جعل ترتيبا للأولياء في القرآن .. وهذا أجده في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) النساء69-70.

- فهناك مقام الأنبياء ثم أسفل منهم في المقام هم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين .. وقد سبق الكلام عن هذه الآية في سؤال سابق (س17: هل يوجد درجات للأولياء في القرآن ؟ ) .. فارجع إليه .

- ثانيا: عن مسميات درجات الولاية في روايات الحديث (أقطاب وأبدال ونجباء ..) ..

- قد ظهرت مسميات لدرجات الولاية .. في روايات الحديث أو من كلام الصحابة والتابعين .. بما يدل على وجود مسميات لمقامات الأولياء بخلاف ما جاء في القرآن ولعلها تفصيلا لمقام الصديقين والصالحين ..

- ولكن لم يظهر في هذه الروايات ترتيب لهذه المقامات .. ولا شرح لها .. فهي فقط تظهر أن هناك أولياء والبعض منهم لهم مقام يسمى بالنجباء أو الأبدال أو غير ذلك كما سأذكر لك تفصيل كل ذلك بإذن الله .. 

 

- ثالثا: عن ترتيب وهيكلة درجات الأولياء (أقطاب ثم أوتاد ثم أبدال ثم نجباء .. وهكذا ....) ..

- المرويات الحديثية التي سنناقشها لم تذكر ترتيبا لمسميات مقام الأولياء التي أتى ذكرها في هذه المرويات .. إلا أنه قد جاء البعض من أهل التصوف الكشفي ووضع ترتيب لهذه المسميات لدرجات الولاية ..

 

- وقد وجدت بعض الباحثين في التصوف يرى: إن أول من أظهر التقسيمات المختلفة لهيكل الولاية هو الشيخ أبو بكر الكتاني رحمه الله في ختام القرن الرابع الهجري .. واستدل الباحث بهذه الرواية:

 

- حيث جاء في رواية: عن عَبْد العزيز بْن أَبِي الْحَسَن القرميسيني، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم الهمذاني بمكة، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد العيشي قَالَ: سمعت الكتّانيّ يقول: (النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، ثم أجيبوا وإلا ابتهل الغوث؛ فلا يتم مسألته حتى تجاب دعوته) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على هذه الرواية:

1- حينما راجعت سند هذه الرواية .. وجدتها رواية مكذوبة على أبو بكر الكتاني رحمه الله .. ولا يصح تداولها كمعلومة صحيحة وإنما يتم تداولها لبيان كذبها ..

- وجدت فيها علتين:

أ- العلة الأولى: وجدت فيها (عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم الهمذاني) وقال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/276): ليس بثقة بل متهم بالوضع ويأتي بمصائب ..

ب- العلة الثانية: وهي (عَبْد العزيز بْن أَبِي الْحَسَن القرميسيني) وهو مجهول الحال ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) بخصوص الترتيب الهيكلي لمقامات الأولياء:

1- لا يمكن تحديد من صنف هذا الترتيب الهيكلي للأولياء .. أو من هو أول من ابتدأ ابتداع هذا التصور في الترتيب الهيكلي للأولياء .. إلا أن من تكلم فيه هم أهل التصوف .. وهذا الترتيب الهيكلي قد اختلف عليه أهل الكشف الصوفي في بعض درجاته ومنهم من جعلهم خمسة مقامات ومنهم من جعلها سبعة مقامات .. وكل واحد فيهم حسب كشفه الروحاني ..!!

 

2- ومهما كان هذا الكشف الروحاني ومهما كان قول من قال به .. فهو لا يفيد في شيء ولا قيمة له طالما غير مؤيد بالكتاب والسنة .. بل نقف عند قوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء36... وقوله (لا تقف) أي لا تتبع ..

 

3- وطالما المسألة تتعلق بما يخص الله لأنها تتعلق بأولياء الله وأولياء الله علمناهم بالوحي .. فنحن نتبع فقط ما كان عليه دليل وإثبات .. والكشف الروحاني ليس دليل ولا إثبات على شيء .. لأنه خيال في عين الرآئي وليس وحيا يوحى إليه لنصدقه ..

- بل ولا يمكن أن نعتقد في كشف غيبي يقول به أحد .. إذ أن الأحكام والمعتقدات الدينية تؤخذ بما ثبت بدليل الوحي ومن طريق صحيح .. ومن استدل بالكشف الروحاني فقد استدل بالوهم وكلامه مردود عليه .. ما لم يكن له حجة إثبات .

 

#- فإذا علمت ما سبق أخي الحبيب:

- فهذا أوان مناقشة مسميات درجات الأولياء التي ظهرت في بعض الروايات .. ونتبين من خلالها ما هو يمكن قبوله وما لا يمكن قبوله ..

 

- ومن المهم مناقشة هذه الروايات .. إذ أن هذه الرتب والمقامات قد تكلم عنها بعض أهل التصوف وأثبتوا وجودها وترتيبها من خلال الكشف الروحاني والبعض أشار للمرويات الحديثية للدلالة على صحة كشفه الروحاني .. ولذلك من المهم البحث في هذه المرويات .. وكذلك البحث في معرفة وفهم ما المقصود بمسميات هذه المقامات والرتب ..

 

- وأول ما نبدأ بالكلام عنه هو المقام الأعلى حسب الترتيب الصوفي (وليس الشرعي) .. وهو ما يسمى بمقام القطب الغوث .. ونتكلم عن مفهوم كلمة قطب ..  

 

************************

 

..:: س20: ما هو مفهوم القطب وماذا يفعل ؟ ::..

 

- في بعض الكتب التي يغلب عليها النزعة الصوفية أو الكتب التي تتكلم عن كرامات الأولياء عموما .. تجد مصطلح القطب متداول بكثرة مدحا في ذلك الولي للدلالة على علو قدره ومقامه فيقال عنه أنه القطب الزاهد العارف بالله فلان الفلاني .. وأحيانا تجد مزيد مدح في ذلك الولي فيقال عنه أنه قطب الأقطاب أو قطب الأولياء ..

- فما هو معنى لفظ القطب وما المقصود به ؟

 

#- أولا: مفهوم كلمة القطب لغويا ..

- القطب معناه في اللغة .. هو الأساس الذي له صلة بمن حوله ومن حوله يعتمد عليه .. ويستخدم هذا اللفظ في حياتنا للدلالة على أهمية هذا القطب ومكانته ..

 

- مثل رئيس الدولة هو قطب الدولة .. وكبير المهندسين هو قطبهم .. وكبير الأطباء هو قطبهم .. وكبير القرية هو قطب هذه القرية .. وكبير الأسرة هو قطبهم .. وهكذا ..

 

- وكذلك في الأشياء المادية يقال قطب الرحى .. وهو العمود الذي تدور عليه عجلة الرحي .. ويقال قطب الساعة وهو الترس الأساسي الذي يعتمد عليه باقي التروس .. وقطب جسم الإنسان هو القلب .. وهكذا ..

 

- فكلمة قطب هي كلمة طبيعية لا حرج فيها .. ويشار بها إلى الشيء الذي إليه المرجع والإعتماد عليه لأنه من غيره يحدث خلل في النظام المرتبط بهذا القطب .

 

#- ثانيا: مفهوم رتبة ودرجة القطب بناء على المعنى اللغوي .. وليس بالمعنى الصوفي ..

1- هو كبير الأولياء الذي بلغ درجة من الكمال في رتبة الولاية لم يبلغها غيره في زمنه .. وهي رتبة الصديقية .. وهي أعلى مقام يصل إليه الأولياء وبعده مقام النبوة الذي تم ختمه بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ولا نبي بعده ..

 

2- فقطب الأولياء هو كبير الأولياء في المكانة والمقام .. وهو الأمين في هذا المقام والمتبع للنبي صلى الله عليه وسلم اتباع كامل ظاهرا وباطنا .. وإذا كان هذا هو حاله .. فهو قطب لأهل الإيمان عموما وليس قطبا للأولياء كما يظن البعض .. أي هو راعيا لمن يعرفهم ولمن لا يعرفهم .. بالتوجيه والدعاء لهم .

 

3- أخي الحبيب .. أريدك أن تعرف أمر مهم:

- فكرة وجود قطب بمعنى ولي كبير المقام .. لا مشكلة فيها شرعا .. لأنه لا مانع عقلا ولا شرعا بوجود وليا أعلى رتبة من غيره من الأولياء .. كما أن الأنبياء لهم هم درجات يعلو بعضهم فوق بعض ..

 

- أما عن كون الإنسان يكون غوثا .. فكثير من الناس يغيثون الخلق ويقضون حوائجهم .. فهم سببا لإغاثة الناس .. بقدر ما أعطاهم الله من عالم الأسباب ليساعدوا به الناس .. وليسوا غياثا للخلق بقدرات إلهيه ..!!

 

- وليس في كلمة غوث شرك بالله كما ظن بعض الجهلاء .. لأن الشرك يظهر باعتبار المقصد من الكلمة وليس بمجرد اللفظ .. وإلا كان المسلمين جميعهم مشركين بالله لأنهم يصفون النبي بأنه الرؤوف الرحيم الكريم .. وكلها صفات أيضا تقال في الله .. !!

- فرجاء أخي الحبيب .. لا تسير وراء الجهلاء الذين يقولون بأن من يوصف بأن فلان هو غوث فهو مشرك بالله .. فعلى هذا المنطق الفاسد والضلالي .. لو وصفنا موسى بأنه غوث لأنه أغاث من طلبه فنحن حينئذ نكون مشركين إذ يقول تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) القصص15 ..!!

- فانتبه أخي الحبيب .. ولا تكن جاهلا أحمق حتى لا يسخر منك العقلاء فتكون كالعبيط بينهم .. لأن ما تقوله من كلام هؤلاء الجهلاء هو كلام غير معقول ..!!

 

- فهذا المصطلح (قطب غوث) من حيث معناه اللغوي .. لا مشكلة فيه .. وإن كان لا يصح مدح أحد به لأنه يحمل غلو لمن يقال فيه ذلك .. فضلا عن أن مسألة تحديد ومعرفة شخص بأنه وليا لله هي مسألة غيبية لأن الله أعلم بمن اتقى .. وسيتم مناقشة هذه الجزئية (كيفية معرفة الولي) في سؤال مستقل إن شاء الله .

 

#- ثالثا: مفهوم رتبة ودرجة القطب عند أهل التصوف الكشفي:

- الذي تقرأه في كتب بعض أهل التصوف الكشفي عن مفهوم القطب كلام يصعب نقله وكتابته هنا .. حيث أن كلامهم عن هذا القطب من المستحيل أن تجده قد قيل أو كُتب عن الأنبياء المرسلين ولا حتى عن الملائكة السماويين ..!!

 

- فالقطب عند اهل التصوف الكشفي .. له تصريف خاص في العالم الغيبي وكأنه منفذ القدر الإلهي .. وله وزيرين عن يمينه وشماله يلقبان بالإمامين .. فإذا مات هذا القطب ارتقى أحد الإمامين مكانه .. وهذين الإمامين أسفل منهما في الرتبة الأوتاد الأربعة .. وغير ذلك من مراتب .. حيث ترتيبها عندهم (قطب – إمامين - أوتاد – أبدال – نجباء – نقباء – رفقاء) على اختلاف بينهم في عدد المقامات خمسة أم سبعة .. وجعلوا لكل رتبه وظيفة خاصة به ..!!

 

- واعلم أخي الحبيب:

- أن كلام أهل التصوف الكشفي عن القطب الذي هو كبير الأولياء مقاما .. هو كلام من خلال الكشف الروحاني .. فنسبوا إليه تصرف في الكون بأفعال ومهام لا يقر بها عقل .. ولا تتوافق مع شرع .. والتي لا يمكن قبولها في القلب ..!!

 

- ثم قام البعض منهم بتسويق هذه المكاشفات في الكتب ونشرها ولا يزال البعض ينشر ذلك ويقوم بتسويقه .. فاحذر من كتب التصوف الكشفي التي تتكلم عن الأمور الغيبية بلا دليل .. والتي منها الكلام عن مهام ووظائف القطب الذي يتكلمون عنه سواء بصورة عامة أو عن شخص بعينه.

 

- وكل ما قرأته وقد ذكره بعض أهل التصوف الكشفي في كتبهم عن القطب الغوث .. لا دليل شرعي عليه ولا حجة لهم فيه إلا محض كشفهم الروحاني فقط .. ثم وجدت البعض قد استدل برواية من الحديث للدلالة على صدق كشفه .. وهي رواية عبد الله بن مسعود عن النبي .. فهذا حينئذ حديث نبوي .. وهذا ما سنناقشه في السؤال التالي إن شاء الله ..

 

**************************

 

..:: س21: ما الدليل على وجود القطب الغوث في مرويات الحديث ؟ ::..

 

#- إليك الحديث الذي يظن البعض أنه دليل على وجود القطب الغوث ..

- قد ذكر الإمام السيوطي رحمه الله .. في كتابه الحاوي للفتاوي والذي تم نشر جزء منه في رسالة مستقلة بعنوان: (الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال) .. وجاء في أحدى روايات هذه الرسالة .. حديث واحد يشير لوجود ما يسمى بالقطب الغوث .. وهذه هي الرواية:

 

#- عن الأسود عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: ("إِنَّ لِلَّهِ فِي الْخَلْقِ ثلاثمِائة قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ آدَمَ .. وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ أَرْبَعُونَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ مُوسَى .. وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ سَبْعَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ .. وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ خَمْسَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ جِبْرِيلَ .. وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ ثَلاثَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ مِيكَائِيلَ .. وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ وَاحِدٌ قَلْبُهُ عَلَى قَلْبِ إِسْرَافِيلَ ..

- فَإِذَا مَاتَ الْوَاحِدُ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الثَّلاثَةِ .. وَإِذَا مَاتَ مِنَ الثَّلاثَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الْخَمْسَةِ .. وَإِذَا مَاتَ مِنَ الْخَمْسَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ السَّبْعَةِ .. وَإِذَا مَاتَ مِنَ السَّبْعَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ من الْأَرْبَعين .. وَإِذَا مَاتَ مِنَ الأَرْبَعِينَ أَبْدَلَ الله مَكَانَهُ من الثلاثمائة .. وَإِذا مَاتَ من الثلاثمائة أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الْعَامَّةِ .. فِبهِمْ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمْطِرُ وَيَدْفَعُ الْبَلاءَ" .

- قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: كَيْفَ بِهِمْ يُحْيِي وَيُمِيتُ ؟ قَالَ: لأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِكْثَارَ الأُمَمِ فَيَكْثُرُونَ وَيَدْعُونَ عَلَى الْجَبَابِرَةِ فَيَقْصُرُونَ وَيَسْتَسْقُونَ فَيُسْقَوْنَ وَيَسْأَلُونَ فَتَنْبُتُ لَهُمُ الأَرْضُ وَيَدْعُونَ فَيدْفَع بهم أَنْوَاع الْبَلاءُ) رواه أبو نعيم في الحلية وبن عساكر .. وذكره بن الجوزي في الموضوعات .. وذكره الألباني في الضعيفة بأنه موضوع..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: ملاحظات على نص هذه الرواية:

1- الملاحظ في هذا الحديث أنه لم يأت لفظ القطب أو الغوث .. فلماذا أتيت به هنا للدلالة على وجود القطب ؟

- لأنه يوجد جزء في هذا الحديث جاء فيه: (وَلِلَّهِ فِي الْخَلْقِ وَاحِدٌ قَلْبُهُ عَلَى قَلْبِ إِسْرَافِيلَ) وهذا الجزء فيه إشارة إلى مفهوم القطب الذي يقال عنه أنه يكون واحد في كل زمان عند بعض أهل التصوف ..

 

- بل أن هذه الرواية قد تكلمت عن التسلسل الهيكلي الوظيفي لدولة الأولياء الغيبية التي لا نعلم بوجودها من حديث صحيح أو من أي نص شرعي يطمئن له القلب .. !!

 

2- والملاحظ أيضا في هذه الرواية .. أنها تخالف أيضا الأعداد التي يزعمها بعض أهل التصوف الكشفي في كل مقام للولاية .. فمثلا الرواية تظهر أن أسفل الواحد (القطب) يوجد ثلاثة وليس اثنين .. وهكذا ستجد اختلافات كثيرة ..

 

3- والملاحظ أيضا في الحديث .. أنه مجرد خبر عن وجود بعض الخلق الذين لهم كرامة خاصة من الله .. ونفهم من الخبر أنهم أخفياء .. لأن الرواية لم تحدد لنا أشخاص بذاتهم كمثال فلان أو علان .. فدل بذلك على أنهم يحيطهم الخفاء ولا يعرفهم أحد .. إلا لمن قد يكشف له الله عن ذلك بمعرفة شخص معين بذاته من أهل الولاية .. لحكمة هو يعلمها إذ قد يكون معلمه أو طالب حاجة فسأله الدعاء له عند الله ليقضيها له ..

 

4- الذي يحتج من أهل التصوف بهذا الحديث السابق .. الذي يظن أنه حديث نبوي في إثبات الحكومة الباطنية أو دولة الأولياء أو في وجود تسلسل لدرجات الأولياء .. فالحديث هذا لا يخدمه في اثبات شيء وفق معتقده الصوفي الكشفي .. وذلك لأن الرواية تخالف هذا المعتقد الكشفي في القدرات الخارقة للقطب والتي لم تظهر لنبي ولا لرسول ..

- فضلا عن أن هذا الحديث هو حديث غير صحيح وقد حكم عليه أهل الحديث بالوضع أي هو حديث مكذوب على النبي .. بما فيهم الإمام السيوطي نفسه الذي استدل بهذه الرواية في بيان وجود مسميات لمقامات الأولياء في أحد فتاويه .. وسيأتيك قول الإمام السيوطي بعد قليل في هذا الحديث ..

 

5- الملاحظ في هذا الحديث أيضا لو انتبهت إليه .. أنه لا ينسب لهؤلاء الأولياء قدرة خارقة بالتصرف في الكون .. كالتي كتبها أهل التصوف الكشفي .. وإنما أثبت لهم أن الله يستجيب دعائهم .. فانتبه لهذا الكلام جيدا ..

- إذن هم يدعون الله فيستجيب الله لهم وليس لهم فعل من ذاتهم بالتصرف في الكون .. وهذا أمر أريدك أن تلحظه في كل الروايات التي سنذكرها قريبا .. سواء كانت روايات صحيحة أو ضعيفة أو حتى روايات مكذوبة .. فالجميع يجمعه قاسم مشترك في قدرة هؤلاء الأولياء وهو خاصية الدعاء المستجاب بإذن الله .. وهو ما أثبتناه في هذه الرسالة وهو ما نعتقده في أولياء الله الصالحين ..

 

#- ثانيا: من ناحية الحكم على هذا الحديث:

1- قد جاء اسم راوي في السند عند بن عساكر بلفظ (عبد الرحمن بن يحيى الأرمني) وهذا غلط .. والصحيح هو (عبد الرحيم بن يحيى الأرمني) .. وذكره الذهبي في لسان الميزان بلقب (الآدمي بدلا من الأرمني) .. وهو أيضا مجهول ولا ترجمه له مذكورة في كتب أهل العلم ..!!

 

- فلدينا في هذه الرواية مجهولان تماما: وهما (عبد الرحيم بن يحيى الأرمني) و (عثمان بن عمارة) .  

 

2- ولذلك قال الإمام بن الجوزي: حديث بن مسعود فكثير من رجاله مجاهيل وليس فيهم معروف .. (الموضوعات ج3 ص152).

- وقال أيضا الإمام السيوطي في اللآليء المصنوعة: فيه مجاهيل .. (اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج2 ص280).

 

3- وهذا الحديث قد ذكره الإمام الذهبي عند كلامه على الراوي عثمان بن عمارة (وهو مجهول الحال) .. ثم قال الذهبي بعد كتابة هذا الحديث: كذب .. ثم قال: فقاتل الله من وضع هذا الإفك . (لسان الميزان ج5 ص404) ..

- وعند ذكره للراوي (عبد الرحيم بن يحيى الآدمي) قال الذهبي: عبد الرحيم بن يحيى الآدمي .. عن عثمان بن عمارة .. بحديث في الأبدال. "أتهمه به أو عثمان". (لسان الميزان ج5 ص167).

- ومعنى قول الإمام الذهبي السابق .. أن هناك رواية لعبد الرحيم قد رواها عن عثمان بن عمارة تتكلم عن الأبدال .. وأنه يتهم أحد منهما باختلاق ووضع هذه الرواية والكذب بها على النبي .

 

#- ثالثا: عن سبب استدلال الإمام السيوطي بهذا الحديث:

1- الذي أستغرب له هو أن الإمام السيوطي يعلم بأن هذه الرواية فيها مجاهيل وقد قال بذلك .. وقد يكون أحد المجاهيل كذاب .. فلماذا استدل بهذه الرواية في رسالته (الخبر الدال على وجود القطب والأبدال)التي هي في الأصل جزء من فتاوي الإمام السيوطي في كتابه (الحاوي) ..؟!

- خاصة وأنه لم يأتي فيها بشواهد من روايات أخرى تزكي هذه الرواية التي استدل بها ..!!

 

2- ولكن الذي أحسبه من استدلاله بهذه الرواية هي إنما رواية واحدة من أكثر من ثمانين رواية استدل بها في اثبات وجود أولياء لهم مقامات ورتب ولهم مسميات مختلفة ..

- وهذا الذي استدل به الإمام السيوطي لا يندرج تحت الشواهد المتعددة لإثبات وجود شيء .. لأن هذه الرواية بالذات لا شاهد لها بما هي تحمله من أخبار متعددة .. وحتى ما تشابه منها في روايات أخرى فهي تخالفه وتناقضه ..!!    

- والله أعلم .

# ومن ناحية أخرى أخي الحبيب:
- نجد من الأدلة التي استدل بها الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911هـ) .. على وجود هذا القطب .. هو ما نقله من كلام الإمام اليافعي رحمه الله (المتوفى:  768هـ) .. وكان من الأولياء الكبار في زمنه .. وهذا يظهر من خلال قراءة سيرته وأقوال العلماء فيه ..
 
- وقد ذكر الإمام السيوطي رحمه الله في رسالته (الخبر الدال):
- قال (أي اليافعي): وقال بعض العارفين: والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود أنه على قلب إسرافيل .. ومكانه من الأولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها ، به يقع صلاح العالم . (انتهى النقل من رسالة الإمام السيوطي عما نقله عن الإمام اليافعي).
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على ماذكره الإمام اليافعي رحمه الله:
1- إذا كنا سنأخذ دليلنا من مكاشفات الإمام فلان وسيدي فلان .. فما فائدة الوحي وكلام الله وسيدنا النبي حينئذ ؟!!
 
2- ثم أن ما نقله الإمام اليافعي رحمه الله عن أحد العارفين الذي لم يتضح لنا من هو .. فأرى أن هذا العارف قد استمده كلامه من الحديث الذي سبق وذكرناه .. والذي لا صحة له ولا شاهد عليه يقويه ..
 
3- كلام الإمام اليافعي الذي نقله عن أحد العارفين .. والذي استدل به الإمام السيوطي .. هو مجرد كلام لا قيمة له .. طالما غير مؤيد بدليل صحيح من الوحي ..  
- والله أعلم. 

#- وإذا قد علمت أخي الحبيب ما سبق:
- وقد تبين لك حقيقة أنه لا يوجد نص شرعي يشير لوجود ما يسمى بالقطب الغوث .. وأن كلام العلماء مهما بلغ مقامهم فلا قيمة له بدون دليل ..

- وهناك بعض الأدلة يستند إليها البعض في إثبات وجود القطب الغوث بطريق الكشف أو بطريق النص .. للدلالة على وجود هذا القطب الغوث .. وهذا نناقشه فيما هو آت إن شاء الله ..

******************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .