ج24: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - ما نوع علم الغيب الذي دائما كان ينكره القرآن على الناس - هل تعتبر الكهانة والعرافة والتنجيم من الغيب النسبي أم من الغيب المطلق - ما هو سبب معرفة طرق الغيب النسبي - ما هو حكم من يذهب إلى العراف والكاهن والمنجم - متى يتم الحكم على الكاهن والعراف والمنجم بكونه كافر

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

(الجزء الثاني من الرسالة)

(الجزء الرابع والعشرون)

* فهرس:
:: الفصل الرابع والعشرون :: أحكام عن الذي يفعل ويطلب الكهانة والعرافة ::
1- س128: ما نوع علم الغيب الذي دائما كان ينكره القرآن على الناس ؟
2- س129: هل تعتبر الكهانة والعرافة والتنجيم من الغيب النسبي أم من الغيب المطلق ؟
3- س130: ما هو سبب معرفة طرق الغيب النسبي ؟
4- س131: ما هو حكم من يذهب إلى العراف والكاهن والمنجم ؟
5- س132: متى يتم الحكم على الكاهن والعراف والمنجم بكونه كافر ؟

*********************

:: الفصل الرابع والعشرون ::

:: أحكام عن الذي يفعل ويطلب الكهانة والعرافة ::

****************

..:: س128: ما نوع علم الغيب الذي دائما كان ينكره القرآن على الناس ؟ ::..

 
- من الأمور التي يجب أن تنتبه إليها .. هو معرفة نوع علم الغيب الذي كان ينكره الله على الناس .. ولكن علينا التفرقة بين لفظ الغيب كنوع معين للغيب .. وبين لفظ الغيب كجنس لكل عالم الغيب أي معرفة مطلقة لكل عالم الغيب بتفاصيله..
 
#- فهناك فرق بين معرفة نوع الغيب ومعرفة عالَم الغيب..
- نوع الغيب: نقصد به هل هو ماضي أم مستقبل ..
- عالَم الغيب: نقصد به كل ما يتعلق بكلمة الغيب بكل تفاصيله .. في الماضي والحاضر والمستقبل والظاهر والباطن وفي السماء وفي الأرض .. أي تفاصيل كل شيء فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض على الله ..
 
#- ولذلك انتبه للآتي:
1- حينما يتكلم الله عن نفسه بأن ينسب الغيب له .. كقوله (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) الرعد9 .. فهو حينئذ يتكلم عن الغيب كجنس وليس كنوع .. أي يتكلم عن معرفة كل ما هو غيب بتفاصيله في الماضي والحاضر والمستقبل وظاهرا وباطنا .. وفوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه ..
 
2- ولكن الغيب الذي دائما ينكره الله على الناس هو نوع من الغيب وهو غيب المستقبل أو ما سيحدث .. لأنه لا علم لهم بذلك .. كما يظهر ذلك من خلال آيات كقوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) الطور41.. وكقوله تعالى: (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) النجم35.. وكقوله (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) مريم78..
 
- والمنتبه للآيات السابقة سيجد أنها تتحدث عن غيب لم يحدث ولكن الشخص يفترض فيه أنه سيحدث كذا .. ولذلك أنكر عليهم القرآن ذلك .. وكأنه يقول لهم من أين لكم ما تحكمون به على ما سيحدث لكم ؟!!
 
- ففي آية الطور (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ).. كأن الله يقول: هل هؤلاء لديهم غيبا يتلقون منه العلم فعرفوا ما سيحدث لهم بعد الموت .. وكأن هناك من أخبرهم بذلك وكتبه لكم .. ولذلك هم يستغنون عنك كنبي رسول ولا حاجة لهم فيك ..!!
 
- وفي آية النجم (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى).. كأن الله يقول: والذي يمتنع عن إخراج ماله إحسانا ومعروفا .. كيف حكم بأن هذا المال سينفد فأمسك معروفه وإحسانه .. وكأنه رأى ذلك عين يقين في مكاشفة غيبية ؟!!
 
- وفي آية مريم (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) .. كأن الله يقول:  كيف لهذا الكافر أن يزعم بأنه سيكون مكرما عند الله وله مالا وولدا حينما يبعثه ؟!! فهل عرف الغيب يقينا أم أن الله أعطاه ميثاق بذلك ؟!!
- فمن أين لهؤلاء هذا العلم وهم جاهلون به ؟!!
 
#- وإجمالا .. نجد أن من يتخذ قرارات بناءً على معرفة غيب من قول كاهن أو عراف .. فهو إنسان طريقة تفكيره في عقله غير صحيحة بكل تأكيد .. لأنه كيف يحكم في شيء لا وجود له ولا إدراك له فيه بدليل .. إلا محض قول من شخص قاله له ..؟!!
 
#- ملحوظة هامة ..
- علم الغيب وإن كان يشمل غيب الماضي .. ولكن نحن هنا نتكلم عن جزئية معينة .. وهي غيب المستقبل الذي ينكر الله لأحد معرفته واليقين به ..
- ولذلك لا يقال على قصص الأنبياء والرسل المحرفة عند أهل الكتاب .. بأن هذه عرافة منهم لمخالفة قصصهم للقرآن .. لا .. لأن هذه أمور توارثوها بتحريف حدث فيها .. ولا علاقة لها بالعرافة .. !!
 
# انتبه أخي الحبيب ..
- وما ذكرته سابقا لا ينافي وجود إنكار شرعي لمن يعرف غيبا من الماضي بوسائل محرمة .. من خلال الإستعانة بالجن والشياطين لمعرفة الخبايا والأسرار التي حدثت والمجهولة عند الناس .. ويسمون أنفسهم بأنهم روحانيون مكاشفون لما حدث .. وهذه المكاشفة نوع من العرافة .. وسيأتيك بيان ذلك ..
 

*********************

 ..:: س129: هل تعتبر الكهانة والعرافة والتنجيم من الغيب النسبي أم من الغيب المطلق ؟ ::..

 
- كل الكهانة والعرافة والتنجيم .. تندرج تحت معرفة الغيب النسبي .. الذي خرج عن نطاق المعرفة الذاتية الإلهية وأظهره الله لبعض خلقه كالملائكة .. أي أن هذا الغيب الذي يعرفه الكاهن أو العراف من الشياطين .. إنما يعرفونه الشياطين من خلال كلام الملائكة مع بعضها الملائكة أثناء تناقلها لأخبار أهل الأرض ..
 
- وبالتالي فهذا ليس علم بالغيب .. وإنما هو سرقة وخطف لمعلومة غيبية .. وهو تجسس على الغيب لمعرفة ما حجبه الله عنك كإنسان أن تعرفه .. وهذا هو ما يفعله العراف والمنجم وأمثالهم ..
 
- ولكن العراف والمنجم والكاهن لا يعرفون شيئا عن الغيب المطلق كمعرفة الذات الإلهية مثلا .. حتى يقال عنهم أنهم يعلمون الغيب ..!! وإنما هم يتجسسون على غيب الله لمعرفة شيئا من هذا الغيب .. إلا من زعم أنه يعلم الغيب مثل علم الله للغيب .. فهذا بكل تأكيد كافر بالله أصلا .. فضلا عن كونه كذاب وأحمق في نفسه لأنه لا يعلم غيب نفسه حتى يعلم غيب غيره ..!!
 
- فالغرض من توضيح ما سبق هو وضع التوصيفات الصحيحة لما يفعله البعض حتى يصح الحكم على تصرفات الناس من خلال التوصيف الصحيح لأفعالهم ..
 
- فليس معرفة كل غيب هو كفر .. وإلا كان من يرى المرائي المستقبلية هو كافر .. ولا يقول أي إنسان عاقل بهذا الكلام ..
 
#- خلاصة القول:
- الكهانة والعرافة والتنجيم من الغيب النسبي وليس من الغيب المطلق .. لأنه كل ما خرج من خزينة الله وقد علمه بعض خلقه سواء علمه الملائكة أو الجن أو الإنس .. فهو أصبح غيب نسبي ..
 

*************************

 

..:: س130: ما هو سبب معرفة طرق الغيب النسبي ؟ ::..

 
- سبق وتكلمنا عن طرق معرفة الغيب النسبي .. وإنها طرق مباحة وطرق محرمة .. وذكرنا كل ذلك بالتفصيل في السؤال رقم (33) .. يمكنك الرجوع إليه .. ولكن ما هو سبب معرفة هذه الطرق .. ؟
 
- سبب معرفتها حتى تستطيع التمييز بين المباح والمحرم في معرفة هذا الغيب .. فيكون حكمك على معرفة الغيب النسبي متوقفة على طريقة معرفة هذا الغيب .. لأن الغيب النسبي في أساسه ليس بشيء محرم .. وإنما طريقة تحصيله هي التي يترتب عليها الحكم بكونها مباحة أم غير مباحة ..
 
- فمثلا كنموذج لغيب ماضي .. هناك من يبحث في قضية قتل من خلال الأدلة وسؤال الشهود .. وهناك من يتجه للعرافة لمعرفة من هو الفاعل من خلال الاتصال بالجن أو ما شابه ذلك ..
 
- ومثال على معرفة شيء في الحاضر .. هناك من يقوم بتحليل الأحداث الظاهرة الحالية ليصل إلى نتيجة محتملة من خلال ما هو ظاهر له .. وهناك من يقوم بالتجسس أو بالتواصل بالعالم الروحاني لمعرفة ما يحدث .
 
- ومثال على معرفة شيء في المستقبل .. هناك من يتخذ من العلم وسيلة يبدأ مما انتهى إليه الآخرون ويبني عليه من خلال التجربة والخطأ .. وهناك من يبحث في المستقبل لمعرفة أقدار الناس من خلال النجوم والشياطين وسائر أدوات العرافة كالودع والرمل والتاروت وما شابه ذلك ..
 
#- إذن فمعرفة الغيب النسبي لا مشكلة فيها .. لأن الحياة الأرضية غالبها هي غيب نسبي .. فالكبير يعرف أشياء لا يعرفها الصغير .. والعالم يعرف أشياء لا يعرفها الجاهل .. والأستاذ يعرف ما لا يعرفه التلميذ .. وهكذا .. ولكن طريقة ووسيلة تحصيل هذه المعرفة هي التي يتم الحكم عليها بكونها حلال أم حرام .. فما كان بطريق مشروع وحلال فهو حلال .. وما كان بطريق غير مشروع فهو حرام ..
 

*************************

  

..:: س131: ما هو حكم من يذهب إلى العراف والكاهن والمنجم ؟ ::..

 
- إذا علمت ما سبق من أسئلة وتبين لك أن المنكر هو البحث في الأمور الغيبية المستقبلية .. وأن ما ينكشف للبعض من أمور غيبية .. إنما هي عن غيب نسبي وليس عن غيب مطلق اختص الله به نفسه .. وأن الغيب النسبي معرفته ليست بحرام وإنما طريقة معرفته هي التي قد تجعل منه حرام .. ومن هذه الطرق هي الكهانة والعرافة والتنجيم وما شابه ذلك ممن يستعينون بوسائل وطرق مشبوهة يغلب عليها التواصل مع الشياطين إما تلقينا أو تفهيما .. كما سبق وأوضحنا ذلك في السؤال رقم (118-121) فارجع إليه في التفرقة بين تلقين الكاهن وتعليم العراف ..
 
- فإذا تبين لك ما سبق .. فإليك الحكم فيمن يذهب إلى العراف أو المنجم أو الكاهن .. وذلك يختلف باختلاف نواياك ..
 
#- أولا: لو كانت نيتك .. هي الذهاب إليه دون تصديق له .. متحديا له أو مظهرا فساد فعله أو واعظا له بكلام طيب في نفسه عسى أن يتوب عن فعله .. فلا إثم عليك .. بل أنت مأجور على مواجهتك لها الفساد .
- فمثلا قد تذهب لصفحت العرافين على الإنترنت واليوتيوب .. باحثا في حقيقة فعل هؤلاء لتبطله وتظهر فساده .. سواء بمناقشتهم أو بالإستماع إليهم ومشاهدتهم على اليوتيوب وقراءة أخبارهم .. لتعرف ما يقوله هؤلاء لتكون بصير بكيفية تروجيهم لكلامهم الباطل وبالتالي تحذير الناس منهم وفضح أحوالهم .. فهذا لا شيء فيه لأنك أصلا غير مصدق ولا تسأله عن شيء .. وإنما تريد أن تتعرف عن كيفية يكيد هؤلاء للناس بعرافتهم ..
 
- ودليل ما سبق .. هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع بن صياد حينما عرف أنه يتكلم في الغيب .. فذهب إليه مع بعض صحابته وسأله وكشف للحاضرين أنه لا يعرف شيئا من الغيب .. !!
- علما بأن اختبار بن صياد .. كان في معرفة غيب ماضي وليس مستقبلي .. وكان عن شيئا كان أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعض صحابته وكتمه عن الآخرين .. ومع ذلك لم يعرف بن صياد ذلك .
 
#- ثانيا: لو كانت نيتك .. هي مجرد الفضول والتجربة فتسأل أو لتسمع من العراف لنفسك عن أمور مستقبلية .. دون تصديق لهذا العراف .. فهذا عصيان لكلام النبي لأنه سأله أحد الصحابة وقال له: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُها في الجاهِلِيَّةِ، كُنَّا نَأْتي الكُهّانَ، قالَ: فلا تَأْتُوا الكُهّانَ) صحيح مسلم .
 
- وإن أعطيته مال على عرافته هذه حتى ولو كنت غير مصدقا له .. فهذا مال حرام فعله وأخذه ..
 
#- ثالثا: لو كانت نيتك .. هي الذهاب للعراف مصدقا له .. أو لم تكن مصدقا له في البداية ثم صدقته أثناء مجالستك معه وسماعك منه أو صدقته من خلال قرائتك لكلامه الذي قال به .. فهذه لها عقوبة وهي أن يحرمك الله من ثواب أربعين صلاة ..
- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) صحيح مسلم ..
 
- وفي رواية بلفظ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: صحيح على شرط مسلم ..
 
- قوله (مَنْ أَتَى عَرَّافًا): أي تعمد الذهاب إليه .
- قوله (فَسَأَلَهُ عن شيءٍ) من الغيبيات (فَصَدَّقَهُ) أي صدق العراف فيما اخبره به من غيبيات .. مثل سؤالك عن أمور متعلقة بمسألة معينة في حياتك مثل علاقتك بآخرين .. أو هل ستوفق في تجارتك الجديدة .. أو هل الفتاة التي ستتقدم إليها هي تصلح لك زوجة أم لا .. أو ما شابه ذلك ..
 
- وسؤالك عن مثل هذه الأمور في الحقيقة قد تظن أنها أسئلة فضولية في النفس .. ولكن الشيطان يزين ذلك في نفسك لأن الحقيقة خلاف ذلك .. لأنك أنت جعلتهم وسيلة لك لكشف شيئا ما يدور في نفسك تحت مسمى "يمكن أعرف من خلالهم شيئا كنت أبحث عن إجابته" .. حتى وإن كنت تعلم أن كلامهم مخلوط بكذب .. وإلا فلماذا ذهبت إليهم ولماذا سألتهم عن أمورا تتعلق بنفسك ..!!
 
- وقوله (لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) .. يعني لا تقبل له أجر وثواب صلاة أربعين ليلة .. ولم يقل النبي (لم تقبل منه) .. حتى لا تظن أن منع القبول هو مساواته بتارك الصلاة .. لا .. وإنما منع القبول هنا هو منع المكافأة والثواب والجزاء على عمل الصلاة .. ولكن سقط عنك الفرض طالما صليته وأديته .. وطبعا لو لم يصلي أصلا فهذا له عقاب آخر لأنه ترك الصلاة ..!!
 
#- رابعا: ولو كانت نيتك .. هي سؤال العراف وأنت مصدقا له أنه يعلم الغيب .. فهذا عصيان أكبر يدخلك هذا التصديق إلى الكفر لو اعتقدت في العراف أنه يعلم الغيب فعلا الذي لا يعلمه إلا الله ..!!
 
- قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتى عَرَّافاً أَوْ كاهِناً فَصدَّقَهُ بِما يقولُ؛ فقد كَفَر بِما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ) رواه الحاكم .. وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما جميعا من حديث بن سيرين ولم يخرجاه .. وقال الأرنؤوط في تخريج بن ماجه (1/405): "وإسناده صحيح، وصححه الحافظ العراقي في "أماليه"، وقال الذهبي في "مختصر سنن البيهقي" إسناده قوي. نقله عنهما المناوي في "الفيض". (انتهى النقل من كلام الأرنؤوط) .
 
- وإطلاق الكفر في هذا الحديث عند غالب العلماء على سبيل التغليظ والتشديد والوعيد الشديد ، ولا يخرج صاحب هذا الفعل عن الملة .. طالما لم يساوي معرفة العراف بعلم الله ..
- ويكون معنى الكفر في كلامهم حينئذ .. هو أن من يفعل ذلك يكون قد أدخل نفسه في حجاب الغفلة عن الإيمان الواجب به الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم .. وتشبه بأفعال أهل الكفر ..
 
- وبعض العلماء قال: وقد يكون المقصود الكفر فعلا وهو الخروج من الملة .. في حالة أنه كان مصدقا للعراف ومؤمنا به أنه يعلم الغيب يقينا وليس ظنا .. لأنه يكون حينئذ نسب للعراف صفة من صفات الله وهي العلم بالغيب .. أو يكون كفر لو جعل من العراف نبيا يوحى إليه فهذا أيضا كفر بالله لأنه لم يصدق أن محمد رسول الله وخاتم النبيين ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): والذي أراه أن كلا الرأيين صواب باعتبار وجهة النظر الذي فيه .. والله أعلم ..
 
#- خامسا: لو كانت نيتك .. هي الذهاب للعراف مع عدم سؤاله .. ولكن لتستمع وتقرأ له تنبؤاته .. تحت مسمى الفضول والتسلية مع عدم التصديق .. ولكن مع تكرار الفعل وتعمده وليس على سبيل المصادفة .. فهذا فيه مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل ذلك .. حينما قال: (فلا تأتوا الكهان) صحيح مسلم.
 
- ومثال ذلك في زماننا عن التنجيم الذي هو فرع من الكهانة .. فنجد من يفتح كل يوم النت ليقرأ مقالة "حظك اليوم" ليأخذ منها الفال كالذي تأتيه رسالة طيبة على الموبايل في الصباح لتبشره بشيء ما .. إلا أن الفارق كبير .. فهناك فرق بين ان تأتيك رسالة وبين أن تذهب أنت متعمدا لتعرف ما قد يكون مخبئه القدر لك .. فلا تخدع نفسك يا صديقي .. فضلا عن أن تكرار الفعل منك يشير إلى ميلك إليهم والاعتقاد فيهم وإلا فلماذا الإصرار على فعلك هذا بدوام التعرف ما يقولونه ..!!
- ولو كان على سبيل التفاؤل دون العمل بما تقرأه .. فالتفاؤل بالتوكل على الله هو الحق .. أما التفاؤل بكلام اهل الباطل فهو باطل ..!!
 
- مثال آخر: وكالذي يذهب لليوتيوب أو صفحات العرافين على الفيسبوك وما شابه ذلك .. ليعرف ما هي أخبار البرج الذي تم ولادته فيه .. كمن يقول لك أن مواليد برج كذا سيحدث لهم كذا .. فأنت تستمع له مرارا وتكرارا من باب التسلية والفضول ودون تصديق لما تقرأه أو تسمعه ..
 
#- كل ما سبق من تعمد لسماع التنبؤات الغيبية باستمرار .. فأنت بذلك فعلت ما فيه مخالفة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنه لما سأله أحد الصحابة وقال له: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُها في الجاهِلِيَّةِ، كُنَّا نَأْتي الكُهّانَ، قالَ: فلا تَأْتُوا الكُهّانَ) صحيح مسلم .
 
- فدل ذلك على أن إتيان الكهان والذين نوع منهم هم المنجمون .. هو فعل منهي عنه .. حتى ولو لم يكن لسؤالهم .. بل لمجرد الاستماع إليهم متعمدا تكرار ذلك .. لأنهم يتنبئون بالغيب المنهي معرفته .. وذلك لفساد طرق تحصيله سواء بواسطة شياطين أو من خلال قراءة علامات في السماء ..
 
#- بل لو قلنا أن لفظ الإتيان في كلام الصحابي كما فهم البعض .. أنه مرتبط بسؤال العراف والكاهن أي مرتبط بحديث صحيح مسلم (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) .. فلا يصح حينئذ أن يقال لمن يقرأ ويستمع ويشاهد المنجمين على سبيل التسلية والفضول وتضييع الوقت .. أنه قد فعل شيئا محرما أو منهي عنه ..!!
 
- لأنه على هذا الرأي في تفسير إتيان الصحابي للكاهن لسؤاله .. سيكون قول النبي (فلا تَأْتُوا الكُهّانَ) تفسيره بأنه ربط إتيان العراف بسؤاله وليس بسماعه والقراءة له .. وبالتالي لا حرج على سماع المنجمين ومشاهدتهم والقراءة لهم .. ويكون فعل هؤلاء المستمعون والمشاهدون هو نوع من اللغو الذي لا يصح فعله المؤمن لأنه لا يليق بإيمانه .. لأن معنى اللغو هو الشيء التافه الذي لا فائدة من قوله أو فعله ..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): والذي أراه – والله أعلم - أن نحمل لفظ النبي (فلا تَأْتُوا الكُهّانَ) بأن النهي يجمع السؤال والسماع معا .. أي لا تذهبوا إليهم لتسألوا ولا لتسمعوا ولا لتقرأوا لهم ..
 
- وسبب قولي بأن النهي إنما يكون ليس فقط لمجرد السماع أو المشاهدة مصادفة .. وإنما على سبيل العادة والتكرار .. هو أن لفظ الإتيان في الحديث من السائل يدل من قوله على تكرار ومعاودة هذا الفعل وكأنه كان عادة فيهم فعل ذلك .. ويؤيد ذلك ما في أول الحديث من كونها أمور كانت معتاد فعلها في الجاهلية .. والله أعلم.

#- والنهي في الحديث (فلا تَأْتُوا الكهان) وجدت من العلماء من قال أنه للتحريم ..
- والذي أظنه أن النهي للتحريم وللكراهة معا .. ليه ؟
- لأنه باعتبار تصديق الكاهن فهو نهي تحريم ..
- وبأي اعتبار خلاف تصديق الكاهن فالنهي حينئذ للكراهة .. لأن العقوبات في الأحاديث تتعلق بتصديق الكاهن والعراف وليس بمجرد إتيانه ..
- فنهي الكراهة حينئذ لغير المصدق للكاهن والعراف لأنه قد يكون فيه فتنة من خلال سماعه أو القراءة لكلامه .. مثل من يذهب لصفحات العرافين على النت للتسلية دون تصديق .. وهذا نوعا من اللغو ومضيعة الوقت في الباطل .. ولكن قد يفتن ويصدق فيدخل في عقوبة التحريم ..!! فانتبه .
 - وأيضا يخرج من نهي التحريم والكراهة من أمِنَ على نفسه الفتنة .. وذهب للكاهن أو العراف لموعظته أو لمجادلته أو لإظهار فساده ..
- والله أعلم .
 
#- وفي كل الأحوال يجب الإلتزام بما قاله النبي من النهي عن الذهاب إليهم .. لأن النبي يقول: (ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فاجْتَنِبُوهُ، وما أمَرْتُكُمْ به فافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ) صحيح مسلم..

- فالأحوط غلق هذا الباب تماما .. لأنه باب فتنة ..!!

#- وقد تقول ما علاقة الكاهن بالمنجم حتى يتساويا في الحكم؟

- قلت لك .. أن المنجم فرع من الكهانة .. إلا أن الكاهن بتلقين شيطان .. ولكن المنجم بعلامات يترجمها بظهور أحداث .. وكلاهما عراف .. حيث اجتمعا على محاولة التجسس على الغيب القدري المستقبلي لمعرفته ونشره بين الناس .. وإن اختلفت طرق الوصول لذلك ..
 
#- سادسا: لو كانت نيتك .. ليست الذهاب للعراف لمطالعة أخباره على الانترنت أو المجلات أو الجرائد .. وليست الذهاب للعراف لسؤاله .. ولست مصدقا له .. وإنما فعلت ذلك على سبيل المصادفة منك مرة أو حتى مرات قليلة ولكن من غير تعمد منك البحث والسعي في ذلك .. فتحدث المصادفة أثناء تصفحك على الإنترنت أو وجدته في برنامج على التليفزيون وأنت تشاهده .. أو ما شابه ذلك .. فهذا من باب الفضول الذي يندرج تحت باب اللغو فيما لا فائدة فيه .. والأفضل أن لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد حتى لا يصيبك فتنة في قلبك ويزيغ إلى الباطل .. فيفسد عليك حالك وتعتقد فيهم فيفسد إيمانك وتوكلك على الله ..!!
 
- ومن أصول الإيمان هو ترك اللغو .. حيث يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المؤمنون1-3 ..
- واللغو هو ترك الأمور الجدية من الأقوال والأفعال والذهاب إلى ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ..
 
#- سابعا: أقوال المنجمين الذين هم نوع من الكهانة .. والتي يتم نشرها في الإنترنت على صفحات المجلات أو الجرائد الألكترونية أو حتى المطبوعة .. فهذا يسمى إفساد في الأرض واعتداء على حرمات الله ونشر الفتنة بين الناس .. وهو نوع من التعاون بين الناشر والمنجم على الإثم والعدوان .. يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة 2 ..
 
- اللهم إلا أن يكون المقصد من نشر أقواله .. هو التحقق منها فيما بعد لبيان الكذب فيها .. فيكون هذا من باب التحدي للكاهن في كهانته وإظهار كذبه ..
- أما لو كان المقصد من نشر أقوال الكهنة المنجمين هو جذب الناس للمجلة وقرائتها لزيادة أرباحها .. فهذا حينئذ تعاون مع المنجمين على الإثم والعدوان على الناس بفتنتهم من خلال نشر هذه الأكاذيب ..!! 
- والله أعلم .
 
#- ملاحظات ختامية عليك أن تنتبه لها:
1- الملاحظة الأولى .. أن العراف هو الذي يعلم الغيبيات .. مهما كان نوع عرافته (عن الماضي أو المستقبل) .. أو طريقة عرافته (بالكهانة أو التنجيم أو الطالع أو الرمل أو التاروت أو غير ذلك) ..
 
- قد تعددت وسائل التواصل مع العرافين في زماننا .. فليس بالضرورة أن تذهب إلى العراف وجها لوجه حتى تسأله .. وإنما من خلال الفون أو الانترنت من خلال البرامج المختلفة كالواتسآب والفيسبوك واليوتيوب وغير ذلك من وسائل التواصل المختلفة عبر الإنترنت ..
 
#- ذكرت لك هذه الملاحظة السابقة .. حتى لا يقول أحد .. أن الحديث يتكلم عن إتيان الكهان والعرافين من خلال الذهاب إليهم .. لا .. فسبب النهي مرتبطة بالتواصل معاهم والاعتقاد فيهم .. مهما كان وسيلة الإتيان إليهم .. فسواء أتيت إليهم بذاتك أو بواسطة الفون أو الإنترنت أو صورت كف يدك أو فنجانك وأرسلته مع شخص كوسيط يذهب بهذه الصورة للعراف ليقرأها .. فالأمر سواء في كل ذلك .. لأنك تواصلت معهم واعتقدت فيهم ..
 
2- الملحوظة الأخرى .. التي أريدك أن تنتبه إليها هو أن وجود هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالكاهن والعراف .. هي أدلة كافية لتعرف أن هذه الكهانة والعرافة ستظل مستمرة .. وإلا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أوجد لها أحكاما لو كانت انتهت كما ظن بعض العلماء .. ولكن وجود هذه الأحكام هو دليل كافي لبيان استمرارية فتنة العرافة والكهانة .. وإلا كانت هذه الأحكام نوعا من الأحكام على ما لا وجود له .. وهذا كلام لا يعقل حينئذ .. وقد ناقشنا ذلك في السؤال رقم (127) ويمكنك الرجوع إليه ..

    ************************

..:: س132: متى يتم الحكم على الكاهن والعراف والمنجم بكونه كافر ؟ ::..

 
- سبق وأخبرتك أخي الحبيب .. أنه عليك أن تتحرى الدقة في المسألة التي تظهر أمامك حتى يكون حكمك صحيحا عليها ولا تعتدي على الناس بالباطل أو بجهل منك ..
 
- وسأذكر لك بعض الحالات التي قد يظهر منها فعلا كفر من يعلم الغيب .. لأنه نسب لنفسه صفة هي لله .. وهي العلم بالغيب .
 
- ففرق بين من يزعم أنه يعرف شيئا من الغيب من خلال دلالات تظهر أمامه رجما بالغيب وهو يعلم أن الغيب لله .. وبين من يزعم علم الغيب ومعرفته بجلاء تام له وقتما يشاء متحديا بذلك كلام الله بأنه المحيط بعلم الغيب .. وبين من يزعم أنه يعلم الغيب ويستطيع من خلال ذلك تغيير القدر .. وبين من يزعم معرفة الغيب لكونه نبيا أو رسول بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
 
#- وإليك توضيح ذلك بأمثلة:
1- المثال الأول: لو قال الكاهن أو العراف أو المنجم بأن ما يتكلم فيه من غيب يظهره إنما هو مجرد ظنون يظنها من خلال رموز يراها في النجوم أو في الأوراق أو في الفنجان أو في الرمل أو ما شابه ذلك .. وأن هذه المعرفة الغيبية عنده ما هي إلا مجرد رجما بالغيب وظنا لا يقين فيها والعلم عند الله .. فهذا لا يتم تكفيره .. وإن كان عاصيا لله متعديا على حدود الله .. لأنه معينا لمنهج الشيطان في نشر الفتنة بين الناس .. وسيأتي بيان ذلك في أسئلة قادمة إن شاء الله ..
 
- ومن يذهب لهؤلاء العرافين .. مع علمه بما ينسبونه لأنفسهم من أن أقوالهم ما هي إلا رجما بالغيب وظنا لا يقين فيه .. فالذي يذهب إليهم حينئذ لا يكون مصدقا لهم وإنما يلتمس عندهم شيئا من الحقيقة .. فلازال مصدقا لبعض كلامهم .. فإذا كان هذا حاله فلا تقبل منه ثواب صلاة أربعين ليلة .. وعليه أن يستغفر ويتوب ..
 
2- المثال الثاني: لو قال الكاهن أو المنجم أو العراف أنه يعلم الغيب (دون توضيح لما يقصده) .. فيتم سؤاله هل تعلم الغيب ظنا أم يقينا .. فلو قال يقينا فقد ساوى معرفته بمعرفة الرسل والأنبياء .. ويكون قد كفر بالله حينئذ لأنه لا وحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. ولو قال يعلم الغيب يقينا فيعلم مفاتيح الغيب والذات الإلهية وما كان وما يكون وما شابه ذلك من تفاصيل الغيب .. مساويا علمه بعلم الله فقد كفر بكل تأكيد لأنه بذلك تحدى الله فزعم لنفسه بمعرفة تفاصيل علم الغيب  .. فنسب لنفسه صفة هي لله وحده ..
.. ولو قال أنه يعلم الغيب ظنا منه بذلك وليس يقينا .. فهو رجم بالغيب .. وبالتالي فهو آثم باعتدائه على حدود الله .. ويوصف بالكذاب .. لأنه كيف يعلم ما لا دليل عليه ولا إدراك له فيه إلا بمحض وسوسة من الشيطان إليه من خلال تفهيمه هذه الرموز التي ينظر إليها ..!!
 
- ومن يذهب لهؤلاء العرافين .. مع علمه بما ينسبونه لأنفسهم أنهم يقولون بعلمهم للغيب يقينا .. فالذي يذهب معتقدا فيهم أنهم يعلمون الغيب يقينا كما الأنبياء والرسل أو يعلمون ما يعلمه الله .. فقد كفر بالقرآن وخرج من الملة وعليه التوبة وتجديد إيمانه .
 
3- المثال الثالث .. وهو من يزعم معرفة الغيب وأن له القدرة على تغييره .. فهذا أيضا كافر بكل تأكيد .. لأنه يكون قد جعل من نفسه قيوما على السموات والأرض ونسب لنفسه القدرة على التصرف في القدر فيمحو ويثبت منه ما يشاء .. وكأنه الخالق والمدبر للكون .. فحاله كحال النمرود الذي زعم أنه يستطيع أن يغير من القدر فيحيي ويميت .. حيث يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة258.
 
- ومن يذهب لهؤلاء العرافين .. مع علمه بما ينسبونه لأنفسهم  .. أن لهم القدرة على معرفة الغيب والتصرف فيه .. فهذا الذي قد ذهب إليهم قد كفر حيث نسب صفات للعراف هي أصلا صفات لله .. وعليه أن يتوب ويجدد إيمانه .. 
 
4- المثال الرابع .. وهو من يزعم معرفة شيئا من الغيب لأنه نبيا أو رسول بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. فهذا دجال كذاب كفر بالله لأنه تعمد الكذب على الله فنسب إلى الله ما افترى به على الله .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ولا نبي بعده .. وبالتالي فإن المعرفة الغيبية التي يزعمها هذا الدجال الكذاب إنما هي عن تلقين الشياطين التي تتنزل عليه .. ويكفيك فيه قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام93.
 
- ومن يذهب لهؤلاء العرافين .. مع علمه بما ينسبونه لأنفسهم .. بأن لهم وحيا من الله بمعرفة الغيب .. فهذا الذي يذهب إليهم قد كفر حيث نسب صفات للعراف لن تحدث في أي زمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي يكون قد كذب القرآن بأن النبي هو خاتم النبيين .. وعليه أن يتوب ويجدد إيمانه ..   
 
#- انتبه أخي الحبيب ..
- إلى أن الكاهن والعراف والمنجم أو أي شخص يزعم أنه يعلم الغيب متحديا لكلام الله .. وكأنه يقول أنا أتحدى الله بأنني أستطيع أن أعلم الغيب الذي يخفيه الله .. ولا يقول أنه يظن .. بل يقول يقينا .. فهذا حاله أنه كافر بالله لأنه إما جعل لنفسه وحيا من الله .. أو نسب لنفسه صفة هي لله وهي العلم بالغيب ..
 
#- وأذكرك أخي الحبيب ..
- بأنه لا يوجد أحد يعلم الغيب كعلم عام أو كغيب مطلق إلا الله .. ودليل اختصاص الله بذلك هو الآتي:
1- فيما يتعلق بكل تفاصيل معرفة الغيب .. في الماضي والحاضر والمستقبل وظاهرا وباطنا وفي السماء وفي الأرض وكذلك يندرج في هذا الغيب معرفة الله لذاته التي لا يعرفها أحد لأنه لم يرى الله أحد .. فيقول تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) هود123 ..
- قوله (لله) اللام للدلالة على اختصاص الله وإحاطته بهذا العلم الغيبي وحده دون غيره في كل زمان ومكان .. 
 
2- فيما يتعلق بكل الغيب المستقبلي .. يقول تعالى : (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل65 .
 
- أي لا يعلم أحد الغيب في السماوات ولا في الأرض إلا الله .. وهو الغيب الذي لم يظهر في الوجود ولا أمارة ولا دلالة عليه .. وهذه الآية هنا تشير إلى غيب المستقبل .. وجاء بلفظ (يعلم) لنفي العلم عنهم في كل الأوقات الحاضرة في كل زمن بأنه لا سبيل في كل زمن بمعرفة تفاصيل كل ما في المستقبل ..
 
- وجاء بلفظ (مَنْ) للعاقل .. حتى تفهم أنه إذا كان العقلاء لا سبيل لهم لهذه المعرفة من سبيل وهم عوالم الإنس والجن والملك .. فكيف لأدوات العرافة والتنجيم أن تعرفك الغيب وهي أمور غير عاقلة ..!!
 
3- وفيما يتعلق بمعرفة وحي الأنبياء والرسل .. يقول تعالى: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن25-28.
#- والمعنى من تفسير المنتخب:
- قل: ما أدرى - أيها الكافرون - أقريب ما توعدون من العذاب، أم يجعل له ربى غاية بعيدة؟!
- هو عالم الغيب، فلا يطلع على غيبه أحداً من خلقه، إلا رسولاً ارتضاه لعلم بعض الغيب، فإنه يدخل من بين يدى الرسول ومن خلفه حفظة من الملائكة تحول بينه وبين الوساوس
-  ليعلم الله - وعلمه كائن ومحيط - أن الأنبياء قد أبلغوا رسالات ربهم، وقد علم تفصيلا بما عندهم، وعلم عدد الموجودات كلها، لا يغيب عنه شيء منها. (انتهى النقل من تفسير المنتخب) .
 
4- وفيما يتعلق بمفاتيح الغيب .. قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام59 .
 
- قوله (مفاتح الغيب) .. فيه دلالة على أنه وحده من يملك خزائن المعرفة الغيبية .. لأنه هو وحده من يملك مفاتيح هذه الخزائن الغيبية أي ما يوصل إلى هذه المعارف الغيبية .. ولا علم لأحد بهذه المفاتيح (الطرق أو الأسباب) الموصلة إلى هذه المعارف الغيبية التي اختص الله بها نفسه .. فكانت من الغيب المطلق الذي لا سبيل للوصول إليه وبالتالي لا سبيل إلى معرفته .
 
5- وفيما يتعلق بمعرفة تفاصيل غيب ما تخفيه النفوس .. يقول تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ....) آل عمران179.
 
- قوله (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) والغيب هنا يقصد به ما غاب وخفي في النفوس والضمائر .. وهذا يظهر بدلالة ما قبله من الكلام ..
#- ولمزيد من شروح الآيات السابقة وتفاصيلها يمكنك مراجعة الفصل الثاني من الرسالة .. وخاصة السؤال رقم (8) ..
 
#- خلاصة القول:
1- لا يتم تكفير الكاهن والمنجم والعراف إلا في حالة أنه زعم أنه يعلم الغيب كيفما شاء متحديا الله ومعلنا أنه يستطيع معرفة غيب الله الذي اختص به نفسه من الغيبيات الخمسة .. أو الغيب الذاتي الإلهي فيصف ذات الله .. أو الغيب الذي لم يظهر في الوجود وتعلمه الملائكة فهو يزعم أنه يعلمه أيضا كيفما شاء .. أو غيب النفوس وما تحمله الصدور ..
 
2- أما لو قال المنجم والعراف والكاهن .. أنه قد يعرف شيئا من الغيبيات بدلالات تظهر أمامه .. كالمنجم الذي ينظر في النجوم .. أو كالعراف الذي ينظر في الكوتشينة والتاروت والفنجان والودع وما شابه ذلك .. ثم يقر بأن العلم عند الله وأن هذا مجرد رجما بالغيب وظنا منه لا يقينا ولا تحقيقا .. فهذا لا يتم تكفيره .. وإنما ثبت عصيانه لله لأنه تجسس على الغيب بما هو ممنوع عنه .. حيث قد فعل مثل أفعال الشياطين الذي يسترقون ويخطفون المعلومات من السماء .. وأصبح معينا للشيطان في نشر ضلالاته وإغوائه للناس ليتعلقوا به وينصرفوا عن طريق الله .. فهو وسيلة من وسائل الشيطان في الأرض ويخدم الشيطان في خطته لإفساد الأرض من خلال فتنة الناس وغوايتهم .. ولكن لا يتم تكفيره .. لأنه ليس كل من غلبه شيطانه بفعل المعاصي وترك الطاعات يتم وصفه بأنه كافر .. فانتبه .
- والله أعلم .

************************

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .