لمحات من حياتي .. الخروج - التصوف - سلب العلم كليا - نداء الكهف - خواطر مرشدة

بسم الله الرحمن الرحيم

..:: الجزء الثاني ::..

.. لمحات من حياتي ..

الخروج - التصوف - سلب العلم كليا - نداء الكهف - خواطر مرشدة وقاهرة

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. هذا هو الجزء الثاني والأخير في التعريف ببعض اللمحات عن شخصي ,,

وما يزيد بعد ذلك عن أحداث خاصة ومناسبات أو وقائع فعليه فستكون في مواضيع مستقلة .. إن شاء الله تعالى ..

فهذه الأحداث أعتقد أنها تستحق أن تنفرد بموضوع مستقل .. وسيكون موعدها الموضوع القادم إن شاء الله تعالى ..

ولكن أرجو من البعض أن ينتبه للجزء الخاص في هذه المقالة ( بمرحلة العقاب .. ونداء الكهف .. وما بعد ذلك من كلام .. فأعتقد أنه كلام مهم ) ..

ونستكمل ما بدأناه سابقا ..

بسم الله ..

 **************************

..:: الخروج من دوامة الإنفعال الداخلي ::..

بعد فترة قاربت العام .. خرجت من دوامة الإنفعال الداخلي الذي كان يلازمني لمدة عام تقريبا .. حتى هدأت نفسي واختفي هذا الإنفعال ولم أعد أشعر به .. وكل ذلك كان بالصمت والتفويض ..

وعدت إلى قراءة الكتب ولكن بصورة بسيطة ليست كما السابق وقد كنت أقرأ فيها كتب الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله .. فقد كنت أحبه جدا ..

* وذات يوم وجدت في أحد كتب الفتاوي التي كان يُسئل عنها .. أن سأله السائل وقال له : من هو قدوتك في المشايخ الذين تراهم قدوة لغيرهم ؟

فقال الشيخ الشعرواي : الإمام أبو الحسن الشاذلي .. فقد كان رجل دين ودنيا .. فقد كان تاجرا وعارفا بالله ..

وهذه هو ملخصا ما ذكره الشيخ رحمه الله ..

* ولشدة محبتي للشيخ الشعراوي .. أحببت أن أعرف أكثر عن قدوته التي تكلم عنها .. فلم يمر على عيني هذا الاسم طوال قراءاتي ، ولم أسمع عن هذا الاسم حتى من أهل العلم أو من خلال خطب الجمعة ..

* وظللت أبحث كثيرا عن ماهية هذا الاسم فلم يدلني أحد .. حتى المكتبات التي كنت أتعامل معها لم تسمع عن هذا الاسم .. ولأن أصحاب هذه المكتبات من طائفة الجماعات المُسَيَّسَة دينيا في اتجاه مذهب معين .. فطبعا لن تبيع إلا ما حكمت به أهوائهم .. فهم لا يبيعون علم دينيا ولكنهم يبيعون مذهبا دينيا يتفق والأهواء ..!!

* وطبعا كيف سيسمعون عن هذا الاسم .. وهم يلعنون هذا الاسم وكل من ارتبط به .. (هذا ما عرفته بعد ذلك ) ..

فحاولت البحث عن هذا الاسم الشاذلي .. عسى أن يكون له كتابا أو غير ذلك .. فلم أفلح لمدة شهر .. ( النت لم يكن له وجود في هذا الوقت ) ..

حتى ظننت أنه رجل كانت له قصة تدل على صلاحه .. وقد قرأها شيخنا الشعراوي .. وتأثر بهذه القصة ..!!

* حتى أتي يوما وكنت أذهب إلى معرض للكتب .. وكنت أشاهد الكتب .. فوقعت عيني على كتاب اسمه ( المدرسة الشاذلية ) .. ثم مضيت قليلا وأحاول أن أتذكر هذا الاسم أين قرأته من قبل ..

ثم توقف لحظات وقلت : هل هذا هو يا ترى ما تحدث عنه شيخنا الشعراوي ؟

* فرجعت إلى الكتاب فوجدت المؤلف هو الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر .. فأمسكت بالكتاب وفتحت فهرسه .. وكانت المفاجأة .. وجدت الشيخ أبو الحسن الشاذلي ... !!

وكان من خلال هذا الكتاب .. هو البوابة الأولى لمعرفة شيء اسمه التصوف .. ومعرفة الأوراد والأحزاب الصوفية .. بل ومعرفة الباب الأعظم الذي هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

فقد قرأت كلاما منبهرا به .. وإشارات تفتن بها القلوب وتأخذك بجذبة إلى عالم آخر لم تحط به خبرا ..

* وكان يكفيني أن صاحب الكتاب الذي أقرأ له هو شيخ الأزهر .. رحمه الله ..

وقد كان مع هذا الكتاب صولات وجولات .. ولكن توقفت عند الصلوات المحمدية التي يذكرها في هذا الكتاب نقلا من كتاب ( كنوز الأسرار ).. فهذا عالم آخر لم أسمع به .. وقد ذكر لمحات منها .. ولكن وأين أستطيع الحصول على هذه الصلوات  كاملة .. ؟

* حتى كان يوما ذهبت إلى محل للتصوير الفوتوغرافي .. ليتخذ لي صورا لعمل جواز سفر .. وكانت مفاجأة أن أجد هذا الرجل يقرأ في هذه الصلوات وكانت مكتوبة بخط يدوي جميل .. فاستأذنته أن أقوم بنسخه .. ورحب جدا .. جزاه الله خيرا ..

وكانت هذه البداية مع الصلوات المحمدية .. مع كتاب ( كنوز الأسرار وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار ) للشيخ الفاسي الهاروشي المغربي .. رحمه الله

ولم يكن هذا الكتاب مطبوعا حتى حين ..

** ولم يلفت نظري في الأحزاب التي كانت في الكتاب إلا حزب واحد فقط .. وهو حزب البحر ..  وكان له معي ما كان فيما بعد ..

** وكنت أظن أن فرقة التصوف هذه كانت عاشت في فترة زمنية وتركت لها آثارا حميدة يتناقلها العلماء .. ولكن ما اندهشت له أن هذه طرق صوفيه لازالت قائمة حتى الآن .. ( وليتني ظننت أنها فرقة كانت وانتهت ) ..

وتوسع الأمر معي في البحث في مدينة القاهرة حيث المكتبات الكبرى ووجدت كتبا لا حصر لها في التصوف .. واستغرق الأمر مني كثيرا جدا لأقف على قدمي فيما أقرأ وفيما لا أقرأ ..

** وكان آخر مطاف السعي في القراءة على ما أذكر هي كتب الشيخ ( محمد زكي ابراهيم ) أحد مشايخ الازهر الكبار .. وهو صاحب طريقة صوفية شاذلية اسمها ( العشيرة المحمدية ) .. وهذا الرجل هو أول من وضع قدمي على أساسيات التصوف من خلال كتبه .. مسترشدا في كتبه إلى مخالفات صوفية كثيرة .. رحمه الله رحمة واسعة .

* واتسع الأمر بي في التصوف ما بين شاذلي وقادري ورفاعي ودسوقي .. وغير ذلك .. بل والقراءة في أحزاب العارفين شاربا من كل نهر .. ولم يطل الأمر كثيرا .. حتى فتنت بفتنة جديدة .. وهي الرغبة في الولاية ..

**************************

..:: أحداث في الطريق ::..

من الأمور التي مرت علي هو الرغبة في وجود شيخ في حياتي .. وحاولت كثيرا ولكن كلما ذهبت لا أجد ارتياحا .. حتى كان من أمر طريقة ما .. حاولت الاندماج معها إلا أن قلبي كان يرفض رفض قاطع .. وكلما تواجدت في هذه الطريقة .. كلما انقبض قلبي قبضا يكاد يخلع قلبي من مكانه .. وكأن هناك من يقل .. إرحل من هذا المكان .. 

* ولكن اعتبرت الأمر على أنه منازعة من النفس ويجب مجاهدتها .. حتى وصل الأمر إلى أن تم القبض بصورة كلية حتى على أن تسعى قدمي لتلك الطريقة .. بصورة لم أعهدها من قبل ..

وبعد فترة شهر .. وجدت إنبساطا في نفسي غريب وانشراحا وقوة تدفعني دفعا للذهاب إلى هذه الطريقة .. وكان الوقت في العاشرة مساءا ..!!

* فذهبت للمسجد الذي يجتمعون فيه .. وكانت المفاجأة ..!!

وجدت صراع بينهم وبين البعض .. ووجدت فضائح تنشر على الملأ حول ما كان الشيخ يفعله من إباحيات .. وغير ذلك ..

فعلمت أن يد القبض الإلهي حفظتني من هذه الخسيسة المنتسبة للتصوف كذبا وزورا .. وأيضا يد البسط الإلهي هي التي حركتني لأبصر حقيقة القبض الذي كان يحيط بي ..

* والطريف أن مجالستي لهؤلاء لم تزيد يوما عن ساعة ثم لا أطيق وكأني أحترق داخليا .. ولذلك كان جلوسي معهم مرتين .. وفي الثالثة كانت الفضيحة .. !!

* ولكني لم أفقد يوما الإحساس بأن أهل التصوف أهل حق .. بل كان هناك من يرشدني داخليا .. ويقول : أهل الحق يُدركهم أهل الحق .. أي من يطلب الحق بصدق فسيسخر الله أهل الحق ليأخذوا بيده ..

* وبعد هذه الواقعة .. إلتزمت بقراءة كتب العارفين الأوائل كالقشيري والغزالي والبسطامي .. وغيرهم من كتب أهل السلوك .. وتتبع آثارهم والعمل القلبي كما كان يعملون .. والإشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

..وسبحان الحفيظ ..

**************************

..:: الجمع بين المادة والروح في بيان العلم ::..

كنت أدعو بدعوة بما معناه : ( اللهم لا تفقدني حس المادة بالروح ولا تسلط هذا على ذاك ولا تحجب ذاك بهذا .. فيختلط علي حالي .. وامدني بمدد البيان في العلم حتى أبرز ما أراه بروحي إلى عالم المادة .. بما تقبله العقول .. فلا يطعن على حالي .. ) ..

* ولهذه الدعوة سبب .. وهو أني كنت أقرأ في كتب العارفين أن هناك من يأخذه الحال فيغيب عن الواقع ويتكلم بكلام يخالف الشرع .. ودائما ما كنت أقرأ لكثير من العارفين .. أنهم لا يستطيعون توضيح ما يشعرون أو توضيح ما يعرفون لأن اللسان يعجز عن البيان .. !!

وكم كان هذا الأمر يضايقني جدا ..

ولذلك رجوت ودعوت بما سبق .. طلبا في إظهار الحكمة للواقع .. وليس للإحتفاظ بها في داخلي ..

**************************

..:: الطعن في التصوف ::..

صادف بعد الواقعة السابقة .. أن حدثت واقعة أخرى .. وهي أنه سقط في يدي من الكتب التي قرأتها بطريق الخطأ في حياتي .. كتاب يتكلم عن التصوف .. وأخذ يطعن في التصوف بكل مطعن .. ناقلا عن بعض الكتب .. وما نقله كان حقا ( في أكثره ) فيما يتعلق من مفاهيم عامة .. حتى إذا جاء إلى الطعن في المشايخ الصوفية .. وجاء إلى الإمام أبي حامد الغزالي .. وكنت في هذا الوقت أستوعب كتبه في عقلي إلى حد كبير في ذلك الوقت .. لفرط المحبة في القراءة له ..

* فوجدت هذا الرجل صاحب الكتاب يذكر كلاما للإمام الغزالي .. هو حق .. ولكنه كلاما ناقصا .. وكذلك كلاما عن الإمام الجيلاني  ناقصا .. وهكذا ..!!

* فعلمت أن هذا الرجل يأخذ ما يؤيد به هواه .. ويأخذ نصف الكلام ويترك النصف الآخر .. متجاهلة .. حتى يوحي للناس بأن التصوف هو أكذوبة والغرض منها التحريف في الدين .. وطبعا أصحاب مذهبه هم أهل الهداية والتوفيق .. !! .. وقد أخذ جوائز لا تعد ولا تحصى على هذا الكتاب .. من مؤسسات دينية من خارج مصر ..!! 

* ولم يذكر عن التصوف شيئا حميدا .. ولفرط كراهيته وحقده على التصوف .. حتى ألتبس الحق عنده بالباطل .. وأصبح كله باطل .. وأصبح أهل الله عنده هو هم شيعته ومن يعطونه الجوائز ..!!

** ولكن كان هذا الكتاب السبب الثاني بعد كتاب المدرسة الشاذلية .. في التعرف أكثر على التصوف ..

لأنني أخذت أتتبع الكتب التي نقل عنها الشيخ الطاعن في كل ما هو صوفي .. حتى تيقنت أنه ينقل الكلام ناقصا عن بعض أئمة التصوف وبما يخدم هواه ومذهبه .. فيذكر كلامهم ولا يذكر تعليقهم بعد ذلك في كتب أخرى .. !!

* ولكن بالرغم من غلبة المذهبية والعصبية عليه .. إلا أني لا أنكر أن عنده حق في كثير مما ذكر .. ولكن ما كان يحق له أن يذكر الجانب السلبي فقط .. بل يجمع ما بين السلب والإيجاب .. وما كان يحق له في تكفير أحد حتى ولو بنقل آراء عن الغير ليؤيد ما يقول ..

ولكنه ارتضى أن يبصر بعين واحدة .. !! ليخدم ما يتفق مع هواه .. ومذهب شيعته ..!!

**************************

..:: قوة في الطريق ::..

ولكن ما سبق لم يثني عزيمتي عن استكمال الطريق لأن قلبي كان يقول أن كل ما ذكر ليس تصوف وما حدث من أخلاقيات في الطريقة التي تكلمت عنها ليس أيضا من التصوف .. بل أن هؤلاء مجموعة من المرض ويجب معالجتهم نفسيا حتى يستحقوا مرة أخرى لقب إنسان ..

* وكان هذا هو ختام الانتقالات والقراءات المتعددة .. وكان الهدف هو شيء واحد .. وهو أن لا أعتقد في أحدا أبدا حتى ولو اجتمعت الناس على من حوله على ولايته .. فلابد لي من شواهد على صدق حاله .. وأول هذه الشواهد أن يكون صادقا ومقبولا في كلامه ولا يتجاوز الكتاب والسنة ..

* وأيضا لا أصدق كل من يقول : قال الله وقال الرسول .. لأن كثير منهم لديهم من المقدرة على التلاعب بكلام الله وحديث الرسول بما لا يحتمله قلب أو عقل .. حتى يصل إلى ما يهواه  .. دون أي أمانة دينية في نقل العلم .. 
والعصر الذين نعيش فيه خير شاهد على ذلك .. بما لا داعي للكلام على ذلك ..

* وعموما .. عندي ( رأي خاص ) .. وهو أن كل مَن يكثر في كلامه معك من قول : "قال الله وقال الرسول" .. 
وإلا لو كان صادقا لكانت أفعاله هي التي تدل على ما قاله الله وما قاله الرسول .. صلى الله عليه وسلم ..

* ولكن مجرد القول المتكرر "قال الله وقال الرسول" بلا داعي  وحب الظهور دائما بمظهر التقي العابد .. فما يكون هذا إلا إشارة لنفس لها أفعال سوداء ويريد أن يتستر عليها .. أو يريد فعل أفعال استباحية في الخلق باسم الدين .. مثل أكل أموالهم بالباطل أو بحثا عن النساء متسترا بالزواج الذي لا يدوم عدة أشهر ثم البحث عن غيرها تحت مزاعم أنه اكتشف أنها ناشذ نظرا لأنه (شيخ الجماعة فكلامه صحيح) ..!! أو الظهور بمظهر المرائي المعجب بحاله ليشبع حظوظ نفسه فيقال عنه ( يا شيخ فلان ) ..!! ..

* فالدين عند هؤلاء مجرد ستار يخفي وراءه حظوظ نفسية ونفس مريضة .. ولا يخفى ما يفعله الرقاة المنتسبين لهذه الجماعة من انحرافات موبقة ..!!

( وهذا رأيي الخاص )

****************************

.. بداية جديدة تماما .. وعقاب من نوع جديد ..

..:: العقاب الجامع لما سبق ولحق ::..

بعد شهور قليلة .. في التصوف والقراءة بقوة .. وملازمة لقراءة بعض الأوراد للعارفين وأحزابهم .. فأصبت بفتنة الرغبة في الولاية .. والتعصب والميول لكل ما هو صوفي .. وكانت هذه هي الفتنة الثانية (التعصب) .. فأصبحت أعور بعين واحدة ..!!

فكان العقاب ..! وكان عقابا غريبا وفريدا من نوعه .. وهو سلب العلم الديني مني بالكلية .!!

فماذا حدث ؟

*************************

..:: مرحلة العقاب ::..

فكنت في الفترة الثالثة من حياتي وهي التصوف ( ما بعد فترة الشك ) ثم كانت فترة العقاب في بداية مرحلة التصوف .. وهي التي سلب مني فيها العلم الديني تماما .. وأصبحت كالطفل الذي لا يعرف شيئا ..

وهذا ما حدث فعلا ..

فقد نمت يوما .. وحينما صحوت وجدت نفسي أنظر إلى المكتبة وأسأل نفسي ما هذه الكتب ؟!! وكأنني لأول مرة أراها .. وتصفحت بعضها ولكني لأول مرة أقرأها ..؟!!

* فقد جن جنوني .. أين ذهب العلم من رأسي .. وما محتوى هذه الكتب التي في غرفتي .. نعم أتذكر أسماء الكتب ولكن لا أتذكر محتواها .. فلم أجد شيئا في رأسي من العلم متبقيا سوى أمرا واحدا فقط تبقى لي .. وهو كيف تصلي لله من ركوع وسجود ووضوء ..  .. وكأنني طفل صغير .. !!

**************************

..:: سلب العلم – وعطاء العلم ::..

                                            

* قد لا يصدق أحدا هذا الأمر .. ولكنه حدث فعلا .. أن هناك من محا من عقلي العلم الديني أثناء نومي .. وكأني فقدت الذاكرة وقت النوم ..!!

* وكما عجزت عن فهم كيفية محو العلم من رأسي في غفلة النوم .. فكذلك عجزت عن فهم إضافة العلم في رأسي مرة أخرى ولكن بصورة مختلفة وفكر مختلف .. 

* في مرحلة متقدمة بعد ذلك .. فقد كانت العلوم تخزن في رأسي ولكن في هذه المرحلة أكون صاحيا تماما ولست نائما .. وكأن هناك من يضع هارد ديسك أو ميموري معلومات في رأسي .. !! وفجأة أجد معلومات في رأسي ..

*******************************

..:: الحكمة في سلب العلم ::..

وكان لذلك حكمة علمتها فيما بعد .. وهو أني قد تلوثت تماما بحب العلم وكوني ( أعرف ) أصبح وسواسا يطاردني .. وكذلك نداء ( يا شيخ ) كان يصيب نفسي بعجب غريب .. أضف إلى كوارث التصوف والمتمثلة في ( الرغبة في الولاية ) ، ( التعصب للتصوف ) ، ( و الإعتقاد في مشايخ التصوف ) ..

* فكان لابد من طمس كل علم كنت أعرفه .. مسبقا .. وكنت أحاول مجاهدة نفسي .. وجاهدت نفسي شهورا خلال فترة الشك وبداية فترة التصوف .. ولكن كلما قهرت النفس .. ظهر شيطان العلم مرة أخرى .. فكان يجب علي أن أتطهر بقهر يفوق اجتهادي .. حتى أعرف بطهارة ما سأعرفه فيما بعد ..

وكم كان الأمر صعبا .. يا سادة .. ولكن كم كانت رحمة ربي بي وقتئذ .. فالحمد لله على سلب هذا العلم السابق ..

**************************

..:: العلم يسيل حبرا .. والعقل يشتعل دوارا ::..

* وحدث أمر غريب ( في مرحلة متأخرة من الثلاثينيات من عمري ) .. وهو أنني كلما حاولت القرآءة في أي من الكتب الشرعية .. مثل الفقه أو التفسير أو غير ذلك .. كنت أجد حبر الكتابة تسيل أمام عيني وأصاب بدوخه أو بدوار غريب جدا .. إلا نوع واحد من الكتب ظل مفتوحا لي لفترة وجيزة وهو كانت كتب السلوك وأمراض النفس .. ثم بعد ذلك توقفت القراءة تماما وكأنني جاهل لا يستطيع القراءة ولا الكتابة ..

* نعم كنت استطيع قراءة المجلات والقصص والجريدة .. ولكن القراءة في الدين ممنوعة تماما .. !!! ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

* وجلست مفوضا الأمر لصاحب الأمر .. فقد توقفت حياتي تماما .. لا أصحاب ولا كتب .. مع ضيق وقبض في الصدر والعمل وجتوقف عن تحصيل العلم .. وكأنك فاقد للحيلة تماما .. لم ألوم يوما الظروف أو الأسباب على ما وصلت إليه .. فدائما كنت أحسب أنها ذنوب تسببت في إعاقة حركتي في الحياة .. وأسأل الله الغفران ..

***************************

..:: نداء الكهف ::..
(في العقد الثاني من عمري حوالي 17 عام)

* حتى كنت جالسا في يوم في غرفتي أفكر فيما صرت إليه .. وإذا بي أسمع هاتفا من داخلي وخارجي .. لا أعرف كيف .. ولكن الصوت واضح وضوح الشمس .. وطريقة إلقاء ما سمعته .. كان يقال بتفسيره .. وكأنه أمر في نفس الوقت ..

فماذا سمعت ..؟

* سمعت قوله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف28

وكنت أسمع وكأنني في حالة من السَّرَحَان قليلا وكأني في حالة تركيز شديد جدا لأمر ما اسمعه ..!! 
ولكني لا أفقد الوعي أبدا بل يظل عقلي حاضرا دائما ومدركا للماديات .. ولكن أعلم أنني في حالة غريبة واسمع بطريق غريب .. ولكن مع إدراكي لكل ما هو محيط بي .. 

**************************

..:: بداية السلوك والهدوء النفسي ::..

.. ولكن هذه الآية حينما سمعتها .. قرأت بطريقة قوية جدا وصوت قوي وثابت ودقيق وواضح .. وكأنها أمر ..

* فقرأ كالآتي : (واصبر) وتوقف ثانية

ثم لما وصل إلى (يريدون وجهه) وتوقف ثانية

(ولا تعد) وتوقف أيضا ثانية

وعند (ولا تطع) توقف أيضا ، وعند (واتبع هواه) توقف أيضا .

وكأن من يقرأ هذه الآية كان يضع خطا حول هذه الكلمات تحديدا .. حتى لا أنسى .. 

بعد سماع هذه الآية .. تغير حالي تماما .. واستشعرت بوجود غريب من حولي ..  لا أفهمه ..

وبعدها بدأت الخواطر .. وخطوات تصحيح المسار ..

**************************

..:: البداية .. تجويد القرآن وتفسير الفخر الرازي ::..

* أول شيء كان علي فعله هو أن أتعلم تجويد القرآن .. ( ولم يكن اختارا مني ) .. وعموما فرق بين أن تعرف القواعد وبين أن تمارس ما تقرأ .. لأن هذا هو العلم الوحيد الذي يؤخذ بالتلقي سماعا .. وهذا ما لم أفعله في سابق عهدي .. لأني لم أكن أرى أن هذا أمرا مهما ..

* وفعلا ذهبت لأتعلم ( في مسجد الصُّرَدِي بالأسكندرية ).. على يد أستاذي الفاضل الشيخ /( حسن البنا كامل ) أمد الله في عمره .. فقد أحسن معي إحسانا كريما .. في تعليم التجويد .. ولم يستمر الأمر كثيرا .. حتى بعد شهور قد انقطعت عن حلقات العلم .. لأني وجدت أصحاب المذهب الواحد الذي تحدثنا عنه سابقا .. وجدتهم يأتون من كل فج عميق ليتعلمون من هذا الشيخ الفاضل .. 

* فأحسست داخليا بأن هناك من يقل لي .. بأن هذا هو وقت الفراق .. وقد عاني شيخي الفاضل منهم .. ونظرأ لكونه كان قوي الحجة وواسع العلم .. فقد كان يسكتهم حينما يزيدون في كلامهم في المسجد أو يحلو للبعض منهم الظهور بمظهر المعلم .. وهكذا ..

ولكن جاء وقت الرحيل حتى لا أتلوث مرة أخرى مع هذه المذهبية ..

* وتعلمت من شيخي الفاضل شيئا مهما .. حينما علم مني أني أميل للتصوف .. فقال لي : تعلم أن تأخذ من كل بستان الورد الجميل الذي فيه .. واترك ما عدا ذلك .. حتى لا تكون كمن ينظر بعين واحدة  ..!! وكان هذا هو آخر لقاء بيننا وكنا نقف خارج المسجد ينتظر شخصا ما .. ونصحني بهذه النصيحة .. وكانت نعم النصيحة ..

** وما واجهني في تعلم علم التجويد .. هو عجزي عن نطق حرف "الجيم" كما يريد شيخي .. وظللت أياما .. أكرر هذا الحرف .. ولكن دون جدوى .. حتى استحضرت صورة شيخي أمامي واستحضرت صوته .. وظللت أقرأ وكأنه أمامي وهو يصحح .. ولكن أيضا هذا الأمر لم يفلح ..

حتى نمت يوما .. وصحوت و لساني ينطق وحده حرف الجيم بأحسن ما يكون .. وكأنني كنت أردده وأنا نائم ..!!

** وأيضا تفسير الإمام الفخر الرازي .. كنت عاجز عن فهم أمور فلسفية عقدية يتكلم عنها .. ولكن ذات يوم أيضا لا أفهم كيف يحدث ذلك .. نهضت من النوم وأجد الفهم للتفسير في عقلي بطريقة غريبة .. وكانت في المجلد الأول .. فلم أكن أفهم أمور مثل ( الواجب والممكن والمستحيل ) .. وأمور أخرى كان يتكلم عنها الإمام رحمه الله . ولكني وجدت معناها في نفسي فجأة ..

حتى سألت نفسي : لماذا لم أفهم كلام الإمام من قبل .. ؟!

************************

..:: مواقف مع النفس .. وخواطر مرشدة للطريق ::..

* من بدايات الأمور التي كنت أسمعها بداخلي هو التخلي عن كل ما تحبه نفسك .. ولا تتعلق بشيء تحبه أبدا .. وإن لم تقهر نفسك طلبا لله وبلا عوض عن هذا القهر .. فأنت لست من الرجال ولن تكون من الرجال .. فانظر إلى حالك واختار الحال الذي تريد أن تصبح عليه .. !!

وكان من أمثلة قهر النفس في بداية المشوار ..

:: من هذه الخواطر .. التي كانت تلازمني ::

1- هل تذكرون البنت التي كنت أراسلها وكنت لازلت محتفظا برسائلها .. فقد كنت بين الحين والآخر استخرج الرسائل وأقرئها .. من باب الذكريات .. وجاءني خاطر أنه فرضا لا فضلا .. أنه يجب أن أتخلص من هذه الذكريات .. وأن أقطع وأمزق هذه الرسائل ..!! ..

* ولا أستطيع أن أصف لكم كم كان هذا الأمر شاق جدا .. فكلما مزقت رسالة .. وكأني أتمزق معها ... بالرغم من انقطاع العلاقة معها منذ فترة أربعة سنوات قد مضت .. إلا أن التعلق بالذكريات كان قويا جدا .. خاصة وأنها كانت رسائل معطرة .. هههههه !!

* وبعد أن مزقت الرسائل .. جاءني الخاطر وقال : فما بال الرسالة التي أخفيتها في المكان الفلاني ..؟

برجاء قم بتمزيقها هي أيضا .. والآن ..!!

* ولا أكتم عنكم أن هذه الرسالة بالذات .. أوجعتني حينما هممت أن أمزقها .. ليس لأن بها شيء مميز عن الرسائل السابقة .. ولكن لأنها آخر ما كان سيذكرني بهذه الذكريات .. !! والحمد لله ..

ولكن بعد أن مزقتها .. أحسست وكأني تحررت من مشكلة ما وتم فك قيدي .. وأصبحت مرتاحا جدا ..

2- أن أجمع كل ما أحبه من شرائط كاسيت عليها أغاني خاصة كنت أحب أن أسمعها .. وأيضا ألقيها في مياة البحيرة ..

3- أن لا أقرأ في أي كتب دينية بعد الآن بأي حال من الأحوال ..  ويكفي ما في رأسي من معرفة العبادات .. إلا إن استشعرت بأن أقرأ جزئية معينة وفي كتاب معين .. عن طريق الخاطر ..

4- تخلص من أصحابك .. "فلان" ، و"فلان" .

5- كل من أتاك بمعصية فاقبله .. وكل من أتاك بطاعة فتجنبه ..!!

6- ليس كل ما تراه حقيقة .. وليس كل ما غفل عنك باطل .

7- أن أطلب بقلبي شيئا من عطاء الدنيا ولا أعقد عليه العزم أبدا .

8- لا أعتقد في نفسي سوى أني عاصي دائما .. والله غفور رحيم دائما .. فلا يطغى هذا على ذاك ولا ذاك على هذا .

9- أن لا أعتقد في أحدا من خلق الله السوء أبدا .. 

10- أن لا استمتع بشيء جديد ولا أطمع في شراء شيء .. ( وفعلا كان كل جديد عندي لابد أن يتلف أو يحدث فيه عيب .. وأسمع بخاطري : ألم يقال لك لا تطمع بقلبك في شيء ولا ترجو من نفسك شيء ولا تستمع بغرض دنيوي في نفسك ..؟) .

11- أن أرضى بما قسمه الله لي .. رضا بيقين .. فلا ترجو من عطاء الله إلا ما قد قسمه الله لك .. وكن مع الله بلا انقطاع .. تجد الله معك وتأمن من الضياع .

12- إن لا يكون غير الإخلاص لك مرشدا في طاعتك لله . وبقدر إخلاصك يكن خلاصك .

13- أن تنزع الحب من قلبك لكل مخلوق .. وتُثْبِته فقط لله .

14- تذكر بيقين .. سبحان من لا يغفل ولا ينام .. سبحان النافع الضار .

15- ولي الله .. هو من عكف قلبه في حضرة مولاه .. بالإيمان والتقوى .. وخالف نفسه وهواه .

16- من أظهر كرامته فقد انكشفت عورته .. ومن انكشفت عورته .. فقد هبط في أرض الابتلاء .

17- الفتح هو .. الإنقطاع عن سؤال الله بالفتح عليك .. وملازمة العبودية بما يرتضيه لك أو عليك .

18- الإيمان .. هو الإعتقاد بيقين .. وليس مجرد الإعتقاد فقط .

19- الحب .. حروف من الحاء والباء .. فالحاء من الحي ، والباء من الباقي .. فاجعل حبك دائما حي باقي .. ولا يكون ذلك إلا بدوام حبك للحي الباقي ..

20- اليقين .. هو نور في القلب لا يجعلك تنقطع أبدا عن مشاهدة الله كونه فاعلا في الوجود .. وستفهم وقتها معنى القضاء والقدر .

21- إذا رأيت قصاصا من أحدا أخطأ فيك .. فلا تظن أنها كرامة لك .. بل هي فتنة فيك .. ليبصرك ويشهدك بحالك .. هل أنت من أهل الكرامة .. أم من أهل الله .. ؟ .. ولا يظلم ربك أحدا ..

 22- لا تقبل خاطرا رباني أبدا بدون شاهد عدل .. ( الكتاب أو السنة) .. أحدهما أو كلاهما .. ، ولا تقبل خاطر روحاني فيه استعلاء للنفس وتعلق بقوة الروحانيات ، ولا تقبل خاطر نفسي فيه مخالفة للقضاء والقدر ، ولا تقبل خاطر شيطاني يحرضك على هجر الصلاة حتى وإن كنت مداوم على معصية ..

23- لا تتعلق بنفسك فإنها أمَّارة بالسوء ..، ولا تتعلق بعالم الجن فإن أكثره ضر . وستكتسب منه صفات "الكبر والعُجب والرياء" ..، ولا تتعلق بعالم الملائكة لظنك فيه الخير .. ولكن تعلق بالله الذي بيده النفع والضر .. وكن من أهل كرامة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ..

** وغير ذلك كثير جدا .. ولكل مما سبق .. قصة خاصة بطريقة قهر النفس .. أي ترتب عليها طرق خاصة لقهر النفس للوصول إلى ذلك .. وقد كتبت مقالات كثيرة .. كانت مما حدث معي ولكن دون الإشارة لذلك ..

**************************

..:: من طرائف الخواطر ::..

* وكان من طرائف ما سمعت في خاطري .. أن يقال لك : أن أمامك دائما اختيارين في تنفيذ هذه الخواطر ..

الاختيار الأول : أن تفعل ما تشعر بفعله ( من طاعات مع الحق ، ومع الحق في الخلق .. و في قهرك لنفسك  )

الاختيار الثاني : أن لا تفعل ما تشعر بفعله .. (وأنت حر طبعا) .. ولكن عليك أن تتحمل تبعات هذا الأمر ... !!!!!!!

* وكأن هناك من يقول لك بطريق غير مباشر .. هو اختيار واحد يا فتى .. فتأدب بلطف .. بدلا من أن تتأدب بقهر ..

وكان عمرى وقتها في ختام السابعة عشر ..

*************************

** ملحوظة : بعد فترة تركت التصوف وكل شيء .. ودخلت في زمن التيه .. وما أدراك ما هو ... ولا داعي للحديث عنه ..

************************************

أكتفي بهذا الكلام ,, وأحسب أني قد أطلت عليكم بما قد أصابكم بالملل .. ولكن حتى لا يكون هناك جزء ثالث .. وسأدخل في مواقف مباشرة حدثت معي .. وكيف كان لطف الله ..

* وإلى موقف كامل من حياتي حدث معي .. وكان موعد مع الشيطان .. وحوارات حول القضاء والقدر .. ومواجهات أعتقد أنها تدور في بال كثيرين .. مثل .. من خلق الله ؟ ، ولماذا خلق إبليس وهو يعلم بمعصيته ثم يعاقبه ؟ ، وأين الله ولماذا لا نراه ليشهدنا وجوده ؟

تحياتي لكم 

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..